الانتخابات الأمريكية 2024: مع توجه الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع، العالم يستعد للتداعيات

وصل أخيرًا يوم الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتوجه عشرات الملايين من الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع فيما قد يكون أكثر التصويتات أهمية في التاريخ الحديث.

وقد أدلى أكثر من 70 مليون أمريكي بأصواتهم بالفعل في ما هو في الأساس سباق بين حصانين بين نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب.

ويبدو أن كلا المرشحين يخوضان منافسة على حافة السكين مع وجود فارق ضئيل بين المرشحين، وفقًا لاستطلاعات الرأي الوطنية.

لكن سياسات المرشحين الطامحين للبيت الأبيض لا يمكن أن تكون أكثر اختلافًا بشكل صارخ، وللمرة الأولى منذ سنوات، تلعب الصحة الإنجابية للمرأة، وخاصة حقها في الإجهاض، دورًا حاسمًا.

أما بالنسبة لترامب، وهو مجرم مدان يسعى للفوز بفترة رئاسية ثانية، فإن القضية الأساسية في حملته الانتخابية هي المهاجرين والاقتصاد، إلى جانب التعهد بالتصدي لما يسمى "ثقافة الاستيقاظ".

وقد شرع كلاهما في حملة متعرجة محمومة عبر الولايات المتأرجحة، مع تجمعات صاخبة وحتى ظهور هاريس في برنامج "ساترداي نايت لايف" في محاولة لمغازلة الناخبين المترددين.

من المتوقع إعلان نتائج مجموعة من الولايات بمجرد إغلاق صناديق الاقتراع في حوالي الساعة السابعة مساءً بالتوقيت المحلي. ومع ذلك، إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يحدث في الانتخابات السابقة، فقد يستغرق الأمر عدة أيام لإعلان النتيجة الإجمالية.

في عام 2020، استغرق الأمر أربعة أيام حتى يتم إعلان نتيجة بنسلفانيا لصالح جو بايدن بعد نتيجة متقاربة ضمنت له الفوز بالمكتب البيضاوي.

في ظل النظام السياسي الأمريكي المعقد، لن يتم تحديد النتيجة الإجمالية من خلال التصويت الشعبي الوطني ولكن من خلال المجمع الانتخابي الذي يتم فيه ترجيح عدد الناخبين في كل ولاية تقريبًا حسب عدد سكانها.

ويحتاج كل مرشح إلى 270 صوتًا في المجمع الانتخابي لحسم الفوز، وتتشكل ساحة المعركة من تلك الولايات التي تشير استطلاعات الرأي فيها إلى أن الولاية قد تذهب في أي من الاتجاهين.

ونتيجة لذلك، قد تكون الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان، حاسمة لكلا المرشحين.

وهي موطن لأكثر من 200,000 ناخب أمريكي من أصول عربية، وقد فاز بايدن بالولاية بفارق 154,000 صوت في عام 2020. لكن حروب إسرائيل في الشرق الأوسط، والتي دعمت فيها الولايات المتحدة إسرائيل بالكامل، طاردت حملة الحزب الديمقراطي حتى في الولايات "الزرقاء" التقليدية الآمنة.

وقالت إيزابيلا، وهي ناشطة في حركة شباب فلسطين، لميدل إيست آي في تجمع حاشد في مدينة نيويورك خلال عطلة نهاية الأسبوع: "من المستحيل بالنسبة لنا أن ندعم إبادة جماعية".

"من الواضح أن هذا خط أحمر بالنسبة لغالبية الأمريكيين، وبينما قد تكون هناك قضايا أخرى نتفق مع الحزب الديمقراطي بشأنها لا يمكننا أن نذهب كل يوم لنشهد أهوال غزة ونحن نعلم أن هذا ما تدعمه حكومتنا."

لقد تسببت إسرائيل في قتل وتدمير واسع النطاق في غزة بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل، مستهدفةً مساكن المدنيين والمدارس والمستشفيات والمساجد وملاجئ الأمم المتحدة.

وبلغت الحصيلة الرسمية للقتلى حتى الآن أكثر من 43,000 فلسطيني. ومع ذلك، ومع تعطل البنية التحتية الصحية في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، من المرجح أن يكون عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل أعلى بكثير.

كما أن دعم الولايات المتحدة لحروب إسرائيل يمكن أن يقلب أنماط التصويت بين الناخبين الشباب المناهضين للحرب والأقليات الذين يشعرون بالغضب وخيبة الأمل من الحزب الديمقراطي بشكل متزايد.

قالت مريم علوان، الطالبة في جامعة كولومبيا، وهي أمريكية فلسطينية من الجيل الأول من أصل فلسطيني، والتي كانت "تُعرّف نفسها بالكامل كديمقراطية" عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها وصوتت لبايدن في عام 2020، إنها من بين العديد من الناخبين الشباب الذين لن يصوتوا باللون الأزرق يوم الثلاثاء.

وبدلاً من ذلك، قالت علوان إنها سترسل بطاقة اقتراعها بالبريد إلى ولايتها الأم في فيرجينيا للإدلاء بصوتها لمرشحة حزب الخضر، جيل ستاين.

وقالت علوان لموقع ميدل إيست آي: "إنها ليست حالة "أهون الشرين".

"يجب أن تكون الإبادة الجماعية خطًا أحمر، ليس فقط بالنسبة للأشخاص المتضررين منها، ولكن بالنسبة لأي شخص لديه ضمير".

تقول علوان إنه إذا كان الإقبال التاريخي لحزب ثالث سيكلف الديمقراطيين خسارة الانتخابات، فإن الحزب سيضطر إلى تغيير سلوكه.

وتظهر استطلاعات الرأي العام أن شتاين يكتسب شعبية في المجتمعات العربية والإسلامية في ظل الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة ولبنان.

وفي حين أنه من المستبعد جدًا أن تفوز مرشحة حزب الخضر بالرئاسة، إلا أن مؤيديها يرون فيها خيارًا مبدئيًا يمكن أن يؤسس لجدوى أكبر لمرشحي الحزب الثالث في المستقبل.

منعطف حرج

تأتي الانتخابات الأمريكية في الوقت الذي يجد فيه العالم نفسه في واحدة من أكثر المنعطفات الحرجة في حقبة ما بعد الحرب الباردة مع وجود اختلافات صارخة بين المرشحين الاثنين في سياستهما الخارجية.

واجهت هاريس انتقادات بشأن خبرتها في السياسة الخارجية، وفشلت مسودة برنامج الحزب الديمقراطي لعام 2024 التي اطلع عليها موقع ميدل إيست آي في تقديم إجابات حول كيفية تعاملها مع مجموعة من القضايا.

ويرى العديد من المحللين أن 14 مليون شخص يعيشون في إسرائيل وفلسطين المحتلة سيكونون على الأرجح الأكثر تأثراً بسياسة الإدارة المقبلة في الشرق الأوسط.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد ميتفيم الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية في أيلول/سبتمبر تأييدًا قويًا لترامب في أوساط الإسرائيليين اليمينيين والوسطيين على حد سواء، حيث يرى نحو 68 في المئة من الإسرائيليين أن ترامب هو المرشح الذي "سيخدم مصالح إسرائيل على أفضل وجه"، بينما يؤيد 14 في المئة فقط هاريس.

في عام 2020، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب بأنه "أفضل صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض"، وذلك بفضل قرار الرئيس الأمريكي آنذاك بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.

وفي الأشهر الأخيرة من رئاسته، ساعد ترامب أيضًا في التوسط في اتفاقات أبراهام، وهي اتفاقات أبرمتها إسرائيل لإقامة علاقات مفتوحة مع البحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان.

قليلون هم الذين يتوقعون أن تبتعد إدارة هاريس عن إسرائيل، لكن الكثيرين قالوا إنها غالبًا ما قدمت نفسها كصوت أكثر تعاطفًا في إدارة بايدن عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.

العلاقات الأمريكية الإيرانية هي قضية رئيسية أخرى من قضايا السياسة الخارجية التي سيتعين على الرئيس المقبل معالجتها، وقد أعرب كل من هاريس وترامب عن وجهات نظر متشددة تجاه الجمهورية الإسلامية، حيث وصفتها هاريس بأنها "أكبر خصم للولايات المتحدة".

لم توضح القيادة الإيرانية أي من المرشحين تفضل، لكن التقارير أشارت إلى أنها أرجأت هجوماً محتملاً ضد إسرائيل إلى ما بعد الانتخابات وقبل تنصيب الرئيس الجديد في يناير.

وواصل المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وكبار المسؤولين العسكريين تهديداتهم ضد إسرائيل في الأيام الأخيرة. يوم الأحد، قال الرئيس مسعود بيزشكيان إن الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران لا يمكن أن تمر دون رد، لكنه أضاف أن "نوع وشدة" الرد يعتمد على ما إذا كان يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان أو غزة.

وقال مسؤولون غربيون إن طهران لا تزال تناقش خيارات الهجوم، بما في ذلك إمكانية استخدام الجماعات المسلحة الحليفة لها في العراق لمهاجمة إسرائيل، الأمر الذي من شأنه أن يضفي قدراً من الإنكار وربما يمنع شن مزيد من الضربات على الأراضي الإيرانية.

من المرجح أن تستفيد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اقتصاديًا وعسكريًا من فوز ترامب، بعد أن تمتعتا سابقًا بمستويات غير مسبوقة من الدعم الأمريكي خلال إدارته، بما في ذلك موقف واشنطن المتشدد ضد إيران.

وقال مسؤول عربي رفيع المستوى لموقع ميدل إيست آي إن دول الخليج تركز باهتمام "على كيفية تعامل الإدارة القادمة مع الحوثيين".

والحوثيون، وهي حركة يمنية تُعرف رسمياً باسم "أنصار الله"، هم أحد أعضاء ما يسمى بـ"محور المقاومة"، الذي رعته إيران لتحدي المغامرات الإسرائيلية والأمريكية في الشرق الأوسط.

ولطهران درجات متفاوتة من التأثير على هذه الحركة، حيث شن الحوثيون عدة هجمات بطائرات بدون طيار ضد إسرائيل منذ اندلاع الحرب على غزة، إلى جانب استهداف سفن الشحن الدولية في منطقة البحر الأحمر.

وقال جيرالد فايرستاين، السفير الأمريكي السابق لدى اليمن في عهد إدارة أوباما، لموقع ميدل إيست آي أن الطريقة الأكثر مباشرة للولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين هي تحقيق وقف إطلاق النار في غزة.

"إذا انتهت تلك الحرب، سيزول سبب الحرب. سيكون من الصعب على الحوثيين تبرير هجماتهم"، قال فايرستاين.

من غير الواضح أي مرشح يفضله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن مصادر من حاشيته قالت لموقع ميدل إيست آي إنهم يعتقدون أن رئاسة ترامب يمكن أن تنجح بسبب تاريخهما المشترك. وقال آخرون في حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يرأسه إنهم يفضلون احتمال استقرار العلاقات تحت قيادة هاريس.

أما في أوروبا، فقد ثبت أن احتمال ولاية ثانية لترامب كانت مقلقة للغاية بالنسبة للبعض، حيث هدد الجمهوري مرارًا وتكرارًا بالانسحاب من حلف الناتو.

"ماذا سيحدث إذا تم انتخاب رئيس ترامب للمرة الثانية في أمريكا يعلن أن حلف الناتو قد عفا عليه الزمن ولم يعد مستعدًا للوفاء بالوعود الأمنية". قال فريدريش ميرتس، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا، لأنصاره الأسبوع الماضي.

"عندها سنكون بمفردنا. ولا أعني بذلك نحن الألمان فحسب، بل نحن الأوروبيين أيضًا".