أزمة تيران وصنافير وتأثيرها على الأمن المصري
تتناول الأزمة حول جزيرتي تيران وصنافير تداعيات خطيرة على السيادة المصرية. السيطرة عليهما تعني فقدان مصر لنقطة استراتيجية حيوية، مما يضعف دورها الإقليمي وينقل النفوذ إلى إسرائيل والخليج. اكتشف الأبعاد الأمنية والسياسية لهذه القضية.

كان موقع "مدى مصر" الإخباري المصري قد ذكر مؤخرًا أن السعودية تدفع باتجاه إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرتي تيران وصنافير، مما يعيد إحياء أحد أخطر الملفات في تنازل مصر عن سيادتها.
وفي حين أصدر النظام المصري نفيًا غير رسمي عبر أبواقه الإعلامية، إلا أن الحكومة المصرية لم ترد رسميًا.
وتعيد هذه الأزمة فتح جرح لم يندمل تمامًا: فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث، تنازل رئيسها في عام 2017 علنًا عن جزء من أراضي البلاد، بل وادعى أنها لم تكن مصرية أبدًا، بينما قام بملاحقة وسجن كل من تجرأ على معارضة هذه الخطوة.
تجاهل إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان الحقائق التاريخية والجغرافية والقانونية. فقد تجاهل حقيقة أن الجزيرتين ذُكرتا صراحةً في اتفاقية كامب ديفيد للسلام، مما أثار سؤالًا مهمًا: إذا كانتا أرضًا سعودية، فلماذا لم تكن السعودية طرفًا في تلك الاتفاقية؟
وبعيدًا عن الجدل القانوني، يكمن جوهر القضية في الموقع الاستراتيجي للجزر. فجزيرتا تيران وصنافير ليستا مجرد بقع معزولة من الأرض في البحر الأحمر، بل هما حصنان طبيعيان يتحكمان في مضيق تيران، الشريان البحري الوحيد المؤدي إلى خليج العقبة، ويربطان مباشرة بين موانئ جنوب سيناء في مصر وإيلات الإسرائيلية والعقبة الأردنية. ومن يسيطر على هذه الجزر يمسك أساساً بشريان الحياة البحرية في سيناء من عنقه.
وفقدانها لا يمثل خسارة الأرض فحسب، بل انهيار خط الدفاع الأول لمصر في جنوب سيناء، مما يخلق عزلة استراتيجية تضعف قدرة مصر على المناورة في أي صراع.
شاهد ايضاً: في الانتخابات التمهيدية لمجلس الشيوخ الجمهوري في تكساس، باكستون وكورنين يتبادلان الهجمات المبكرة
والأهم من ذلك أن هذه الخطوة لم تحدث من فراغ. فقد كان التسليم جزءًا من عملية إعادة تشكيل إقليمية أوسع نطاقًا أعادت رسم مناطق النفوذ لخدمة هدف مركزي: ضمان هيمنة إسرائيل على بر المنطقة وبحرها، مع تهميش مصر كلاعب مركزي لصالح دور خليجي متصاعد في الإطار الأمني الإسرائيلي-الأمريكي.
نقطة الاختناق البحرية الرئيسية
منذ توقيع اتفاقات أبراهام، دخلت إسرائيل مرحلة جديدة من التمكين الجيوسياسي. فقد أدى منح السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير، وهو اتفاق وافقت عليه إسرائيل في عام 2022، إلى نقل مركز الثقل الإقليمي من مصر إلى الخليج، ووضع يد إسرائيل على نقطة اختناق بحرية استراتيجية رئيسية تحكمها الآن صفقات تطبيع علنية أو ضمنية.
والأهم من ذلك أن هذه الترتيبات تحدّ من قدرة مصر على لعب أي دور مهم في الملف الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بالأزمات الكبرى مثل الحرب على غزة. فإسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة والخليج، تمسك الآن بمفاتيح المعابر البحرية الحيوية. وبالتالي، فإن أي تحرك مصري لدعم غزة محكوم بإحكام ومحسوب بدقة.
شاهد ايضاً: قاضية تمنع وكالتين فدراليتين من كشف السجلات الشخصية لمستشار ترامب حول عملة دوغ كوين الخاصة بمسكو
فقد سعت إسرائيل لسنوات إلى بناء عمقها الاستراتيجي الاقتصادي والعسكري عبر الممر الذي يربط إيلات بالبحر المتوسط، في منافسة مباشرة مع قناة السويس. وهكذا، أصبح البحر الأحمر من باب المندب إلى تيران وصنافير منطقة نفوذ إسرائيلية بحكم الأمر الواقع، تخنق غزة وتضغط على مصر وتربط الخليج بإسرائيل بروابط أمنية لا تنفصم عراها.
تلعب إيران وتركيا أيضًا أدوارًا رئيسية في هذا المشهد. فإيران تهدف من خلال دعمها للحوثيين في اليمن إلى إبقاء الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة في الجنوب، وتحويل البحر الأحمر إلى مسرح مواجهة غير مباشرة مع الغرب. وقد أصبح مضيق باب المندب نقطة ضغط بيد الحوثيين الذين لم يترددوا في تهديد الملاحة الإسرائيلية والغربية.
وفي الوقت نفسه، تهدف تركيا إلى توطيد موطئ قدمها العسكري والاقتصادي في البحر الأحمر وشرق أفريقيا، خاصة بعد تعزيز وجودها في السودان وبناء تحالفات عسكرية ناعمة في القرن الأفريقي. وتنظر أنقرة إلى البحر الأحمر كجزء من مشروعها الأوسع لإعادة بناء النفوذ العثماني المعاصر، وموازنة المنافسة مع المحور الإسرائيلي الخليجي من جهة والتنافس مع إيران من جهة أخرى.
ومن ثم، لا يمكن النظر إلى أزمة تيران وصنافير بمعزل عن أزمة الجزيرتين. فالسيطرة على الجزيرتين تعطي إسرائيل وحلفاءها أفضلية في مواجهة النفوذ الإيراني في البحر الأحمر، وتقطع الطريق على أي محاولة تركية لتوسيع نفوذها في أفريقيا شمالاً. كما أنها بمثابة نقطة ضغط إضافية على مصر التي تجد نفسها الآن عالقة بين قوى إقليمية تتصارع على البحر الأحمر الذي يزداد تقلبًا.
عواقب كارثية
في الواقع، لم تعد تيران وصنافير مجرد قضية مصرية-سعودية. فهما عقدة مركزية في شبكة أمنية واقتصادية معقدة، تديرها إسرائيل ببراعة من خلال التطبيع والخطط الاقتصادية والمشاريع العسكرية، في الوقت الذي تحاول فيه تركيا وإيران بحذر موازنة هذه الهيمنة أو تحديها.
فإبقاء مضيق تيران مفتوحاً بشكل دائم بضمانات أميركية وإسرائيلية يمنح تل أبيب منفذاً بلا عوائق على البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويكمل مشروع هيمنتها الإقليمية التي تخنق مصر اقتصادياً وتعرقل تحركاتها في سيناء عسكرياً، وتحيّدها سياسياً عن القضية الفلسطينية.
وحتى على الصعيد الداخلي في مصر، فإن العواقب كارثية. فمضيق تيران هو شريان الحياة للسياحة والتجارة في جنوب سيناء. وأي تهديد له يضرب ميناء نويبع بشكل مباشر، ويمكن أن يخنق الاستثمارات السياحية ويقوض التجارة البحرية، مما يعمق الأزمة الاقتصادية في مصر.
وفي هذا السياق، فإن جزيرتي تيران وصنافير ليستا مجرد جزيرتين مهملتين، بل هما بوابة أمن سيناء ومفتاح هيمنة إسرائيل على البحر الأحمر. وخسارتهما، أو استخدامهما ضد مصالح مصر، قد يؤدي إلى خنق الجنوب وعزله استراتيجياً، مما يبقي مصر في وضع دفاعي دائم.
أتذكر بوضوح اليوم الذي ذهبت فيه إلى المكتبة في برلين، للبحث في تاريخ الجزيرتين من خلال الخرائط والوثائق. التقيت برئيس قسم الخرائط بالمكتبة، وهو رجل مسن على وشك التقاعد، جلس معي لفترة طويلة لمناقشة موضوع الجزيرتين.
قال لي شيئًا لن أنساه أبدًا: "أي شخص لا يفهم جغرافية تيران وصنافير لا يفهم كيف يتم التحكم في هذه المنطقة".
اليوم، أصبح هذا التصريح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. إننا نشهد سيناريو تتقاطع فيه الجغرافيا مع الجغرافيا السياسية، وتتجلى فيه الهيمنة الإسرائيلية براً وبحراً بشكل كامل، وتتقلص فيه أدوار مصر والسودان واليمن وسط تنافس إيراني-تركي متزايد على رقعة شطرنج تزداد تعقيداً.
يحدث كل ذلك تحت أنظار واشنطن وتل أبيب بموافقة خليجية محسوبة.
أخبار ذات صلة

وافق الجمهوريون في مجلس الشيوخ على إطار الميزانية، متجاوزين الاعتراضات الديمقراطية بعد تصويت استمر طوال الليل

ترامب سيزور مناطق الكوارث في نورث كارولينا وكاليفورنيا في أول زيارة له خلال فترة ولايته الثانية

بايدن يتحدث مع أقارب الأمريكيين المحتجزين لدى طالبان، لكن التوصل إلى اتفاق لإعادتهم إلى الوطن لا يزال بعيد المنال
