اشتباكات دامية في طرابلس بعد مقتل زعيم ميليشيا
اندلعت اشتباكات عنيفة في طرابلس بعد مقتل قائد ميليشيا بارز، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص. الحكومة تدعو السكان للبقاء في منازلهم، بينما الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الوضع الأمني. ليبيا مجددًا على حافة الهاوية.

اندلعت اشتباكات بين ميليشيات مدججة بالسلاح في جميع أنحاء العاصمة الليبية في وقت متأخر من ليلة الاثنين، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإغراق طرابلس في دوامة من العنف والخوف المتجدد.
وقد اندلع القتال، الذي استمر حتى الساعات الأولى من يوم الثلاثاء، بسبب مقتل عبد الغني الككلي، وهو قائد ميليشيا قوي معروف باسم "غنيوة"، والذي كان يقود هيئة دعم الاستقرار، وهي إحدى أكثر الفصائل المسلحة نفوذاً في طرابلس.
ووردت أنباء عن إطلاق نار كثيف وانفجارات في عدة أحياء، لا سيما حي أبو سليم، وهو حي جنوبي مكتظ بالسكان. وقال سكان إنهم سمعوا دوي معارك عنيفة بالأسلحة النارية.
وأكد مركز الطوارئ والدعم الطبي في ليبيا أنه "تم انتشال ست جثث من مواقع الاشتباكات حول أبو سليم".
كما قالت وزارة الصحة إن طواقم الطوارئ ساعدت في إجلاء العائلات المحاصرة جراء أعمال العنف، ودعت المستشفيات والمراكز الطبية إلى "رفع درجة استعدادها والتأكد من الجاهزية القصوى للتعامل مع أي طارئ".
في أعقاب الاشتباكات، أصدرت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها تنبيهًا طارئًا يحث السكان على البقاء في منازلهم.
وعلقت المدارس والجامعات الدراسة والامتحانات وجميع الأنشطة الإدارية. وأشارت وزارة التعليم إلى "تدهور الوضع الأمني"، في حين أعلنت جامعة طرابلس الإغلاق الكامل "حتى إشعار آخر".
وفاة أحد أمراء الحرب
يُزعم أن الككلي تعرض لكمين مساء الاثنين في منشأة تديرها الكتيبة 444، وهي ميليشيا منافسة يقودها محمود حمزة، وهو قائد نافذ متحالف مع رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة.
وفي حين أن الظروف الدقيقة لمقتله لا تزال غامضة، قال ابن شقيق الككلي في منشور على فيسبوك إنه تم استدراجه تحت ذريعة المفاوضات، وهي دعوة اتضح فيما بعد أنها كانت عملية اغتيال مدبرة.
وقال جلال الحرشاوي، وهو محلل متخصص في الأمن والاقتصاد السياسي الليبي https://x.com/JMJalel_H/status/1922029321629077520 في منشور على موقع X: "لسنوات عديدة، كان عبد الغني الككلي أحد أكثر قادة الجماعات المسلحة في طرابلس مرونة ونجاحًا عندما يتعلق الأمر بتوسيع نفوذ الميليشيات إلى ما وراء الأمن الصعب".
وأضاف: "لم تكن قوته الأساسية تكمن في قوته العسكرية على الرغم من توسع سيطرته على الأراضي ولكن في قدرته على التفوق على رئيس الوزراء الدبيبة. لكن اليوم، يبدو أن سلسلة الانتصارات المتتالية هذه وصلت إلى نهايتها."
لطالما كان الككلي شخصية مثيرة للجدل في المشهد الأمني المتقلب في ليبيا. وقد سبق أن اتهمته منظمة العفو الدولية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاحتجاز التعسفي والقتل خارج نطاق القضاء.
وكان قد أصبح أحد أقوى الميليشيات في غرب ليبيا، مع تجذره العميق في مؤسسات الدولة.
وكما أشار الحرشاوي، فقد نجح الككلي في "تنصيب موالين له في مناصب رئيسية في قطاعات البنوك والاتصالات والرقابة الإدارية، وحتى في الوظائف الدبلوماسية العليا".
دولة مفككة، مرة أخرى على حافة الهاوية
بحلول وقت مبكر من صباح الثلاثاء، قالت السلطات إن الوضع تحت السيطرة. وقالت حكومة الوحدة الوطنية إن قواتها نفذت "عملية عسكرية" لاستعادة الأمن وإعادة تأكيد سلطة الدولة في أبو سليم.
وكتب الدبيبة على موقع "إكس": "ما تم إنجازه اليوم يدل على أن المؤسسات الرسمية قادرة على حماية الوطن وحفظ كرامة مواطنيه"، مشيدًا بالعملية باعتبارها "خطوة حاسمة" ضد الفصائل المسلحة "غير النظامية".
من جهتها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها البالغ إزاء القتال، داعيةً إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين.
وقالت البعثة في بيان لها على موقع "X": "تشعر البعثة بالقلق إزاء الوضع الأمني المتفاقم في طرابلس، حيث يدور قتال مكثف بالأسلحة الثقيلة في مناطق مدنية مكتظة بالسكان"، وأضافت: "الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية قد ترقى إلى جرائم حرب".
وحذرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أنه ما لم تتم محاسبة الجماعات المسلحة، فإن العنف سيظل تهديدًا مستمرًا لليبيين العالقين في مرمى النيران.
وانقسمت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا بين حكومتين متنافستين في الغرب والشرق منذ الانتفاضة المدعومة من حلف شمال الأطلسي عام 2011 التي أطاحت بالحاكم الذي حكم البلاد لفترة طويلة معمر القذافي وقتلته.
وتحكم حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا من طرابلس في الغرب، بينما تعمل إدارة منافسة بقيادة رئيس الوزراء أسامة حماد من بنغازي في الشرق بدعم من قوات اللواء خليفة حفتر.
على الرغم من وقف إطلاق النار لعام 2020 والعديد من الجهود الدبلوماسية لتوحيد البلاد، لا تزال ليبيا منقسمة، حيث تتنافس الفصائل المدججة بالسلاح على السلطة والنفوذ والسيطرة على موارد النفط والغاز المربحة.
تعد الاشتباكات الأخيرة هي الأكثر دموية منذ أغسطس 2023، عندما تقاتلت الفصائل المتناحرة في طرابلس من أجل السيطرة على طرابلس، مما أسفر عن مقتل 55 شخصًا.
قال أنس القماطي، مؤسس ومدير معهد الصادق ومقره طرابلس، على موقع X إن "القضاء على الككلي "يترك الدبيبة كوسيط مهيمن على السلطة في غرب ليبيا، بعد أن قام بشكل منهجي بتحييد أو استمالة المنافسين المحتملين.
وأضاف قماطي: "التوقيت مهم بشكل خاص، حيث يأتي في الوقت الذي تستكشف فيه المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة إمكانية تشكيل مجلس عسكري موحد بين الفصائل الشرقية والغربية المتنافسة".
وحذّر حرشاوي من أن "ما سيأتي بعد ذلك لن يكون إبحارًا سلسًا.
وأضاف أن "طرابلس تواجه تعديلاً إقليمياً مع تحرك معسكر الدبيبة للاستيلاء على المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي"، مشيراً إلى أن الاشتباكات قد تندلع لكن التأثير الحقيقي هو تأثير مؤسسي، حيث من المتوقع أن يتأثر كل من المصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي بانهيار شبكة الككلي.