الولايات المتحدة ترسل إشارات متناقضة بشأن استيلاء ترامب "المتوهم" على غزة

بعد مرور ما يقرب من 48 ساعة على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستستولي على غزة لبناء منتجعات على الواجهة البحرية، فإن التفاصيل ليست غامضة فحسب، بل تبدو غير موجودة.

فعلى الرغم من تراجع مسؤوليه عن جوانب رئيسية من الاقتراح، بما في ذلك الطرد الدائم للفلسطينيين من غزة، ضاعف ترامب من تراجعه في منشور على موقع "تروث سوشيال" يوم الخميس، إلا أنه قال هذه المرة إنه "لن تكون هناك حاجة إلى جنود من قبل الولايات المتحدة!"

وكتب ترامب: "سيتم تسليم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة من قبل إسرائيل عند انتهاء القتال"، في إشارة إلى أن المرحلة التالية من وقف إطلاق النار الهش، المقرر أن تبدأ في الأول من مارس، في خطر.

"كان الفلسطينيون... سيُعاد توطينهم بالفعل في مجتمعات أكثر أمانًا وجمالاً، مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة. وكانت ستتاح لهم بالفعل فرصة ليكونوا سعداء وآمنين وأحرارًا. وكانت الولايات المتحدة، التي تعمل مع فرق تطوير عظيمة من جميع أنحاء العالم، ستبدأ ببطء وبعناية في بناء ما سيصبح واحدًا من أعظم وأروع التطورات من نوعها على وجه الأرض".

وقال مسؤولون في إسرائيل إن الخطط جارية بالفعل لتنفيذ اقتراح ترامب على الرغم من بعض أقوى لغة حتى الآن من الدول العربية المجاورة الرافضة لفكرة نقل السكان الفلسطينيين.

فقد كتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على موقع "إكس" يوم الخميس أنه "أوعز إلى القوات الإسرائيلية بإعداد خطة تسمح لأي شخص من سكان غزة يرغب في المغادرة بالقيام بذلك، إلى أي بلد يرغب في استقبالهم".

وأضاف أن "الخطة ستشمل خيارات الخروج عبر المعابر البرية، بالإضافة إلى ترتيبات خاصة للمغادرة بحراً وجواً". "يجب أن يكون لسكان غزة الحق في حرية التنقل والهجرة، كما هو متعارف عليه في كل مكان في العالم".

ويأتي هذا التصريح رغم مرور أكثر من 15 شهراً من القصف الإسرائيلي على غزة، حيث لم يُسمح للفلسطينيين بالمغادرة إلا بعد دفع آلاف الدولارات لوكالة مصرية خاصة لتأمين النقل عبر معبر رفح. وحتى ذلك الحين، لم يكن الخروج مضمونًا.

وقد تم إغلاق هذا المعبر الآن لمدة عام. كما أن الحدود مع إسرائيل مغلقة تمامًا.

وقبل الهجمات التي قادتها حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، كانت غزة أيضًا تخضع لحصار عسكري إسرائيلي جوي وبري وبحري لمدة 17 عامًا، صُمم خصيصًا لمنع حرية الحركة.

"إن دولًا مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج وغيرها من الدول التي اتهمت إسرائيل زورًا وبهتانًا بسبب أفعالها في غزة، ملزمة قانونًا بالسماح لسكان غزة بدخول أراضيها. وسوف ينكشف نفاقهم إذا رفضوا ذلك". "وفي الوقت نفسه، سبق لدول مثل كندا، التي لديها برنامج هجرة منظم، أن أعربت عن استعدادها لاستقبال سكان من غزة".

'عواقب كارثية'

أدانت مصر، التي تعد وسيطًا رئيسيًا بين حماس وإسرائيل، والتي اختارها ترامب إلى جانب الأردن لاستضافة "إعادة توطين" الفلسطينيين، تصريحات كاتس يوم الخميس.

"تحذر جمهورية مصر العربية من التصريحات الصادرة اليوم عن عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية بشأن إطلاق خطة لتهجير الشعب الفلسطيني من وطنه. وهو ما يمثل انتهاكاً صارخاً وسافراً للقانون الدولي الإنساني، وتعدياً على أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يستوجب المساءلة والمحاسبة"، بحسب البيان.

وحذرت كذلك من "العواقب الكارثية" لما وصفته بـ"السلوك غير المسؤول الذي يقوض المفاوضات المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار".

ورغم أن البيان لم يتطرق إلى الولايات المتحدة بشكل مباشر، إلا أنه أكد على "رفض مصر الكامل لأي طرح أو مفهوم يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال اقتلاع أو تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي والاستيلاء عليه، سواء بشكل مؤقت أو دائم".

ووصف الدبلوماسي المصري حسام زكي، الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في حديث لإذاعة "بي بي سي 4" يوم الخميس الماضي، الطرد القسري للفلسطينيين من غزة بـ"الوهم".

"أنا أعرف بلدي. أعرف قيادة بلدي. أعتقد أنني أتحدث على أرضية صلبة للغاية. وأقول لكم، من المستحيل أن يحدث ذلك".

وقال أسامة حمدان، وهو متحدث بارز باسم حركة حماس، يوم الخميس إنه إذا بدأت عمليات نقل السكان بالفلسطينيين، فإنها لن تنتهي عند هذا الحد، وستشكل هذه الخطوة سابقة خطيرة في المنطقة، حيث قد يتم استهداف الأردنيين بعد ذلك.

وتعتقد العناصر اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وكثير منهم يشكلون حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الائتلافية، أن "إسرائيل الكبرى" تشمل كل الأردن ولبنان، بالإضافة إلى أجزاء من سوريا ومصر والعراق والسعودية.

تأثير وقف إطلاق النار

تجنب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في حديثه للصحفيين في جمهورية الدومينيكان يوم الخميس، القول ما إذا كان بإمكان الفلسطينيين العودة إلى غزة إذا ما خرجوا من القطاع أم لا، وكرر مرة أخرى أن خطة ترامب تتعلق بالسلامة - حتى لا يعيش السكان بجوار ذخائر غير منفجرة.

وقبل يوم واحد، كان قد عرض أهم تراجع عن اقتراح ترامب، موضحًا أن أي نقل للسكان سيكون مؤقتًا بطبيعته. وفي يوم الخميس، كرر أنه سيكون "مؤقتًا".

ومع ذلك، قال طارق حبش، الذي أصبح أول فلسطيني-أمريكي معين من قبل إدارة بايدن يستقيل العام الماضي احتجاجًا على سياسة الولايات المتحدة في غزة، إنه حتى النقل قصير الأجل للفلسطينيين خارج القطاع يجب أن يكون مرفوضًا.

وقال: "إن استمرار تأييدهم حتى للنزوح المؤقت أمر غير مقبول".

ويشغل حبش الآن منصب المؤسس المشارك لمركز أبحاث "سياسة جديدة" في واشنطن، إلى جانب مستقيل آخر من وزارة الخارجية الأمريكية، جوش بول.

"من المثير للقلق أن نرى رئيسًا يؤيد التطهير العرقيّ كسياسة رسمية للولايات المتحدة. إنه انتهاك صارخ للقانون الدولي، ولا يحق للولايات المتحدة "امتلاك" غزة أو إملاء مستقبل الشعب الفلسطيني".

"هذه ليست دبلوماسية ولا تصب في مصلحة أمريكا."

ويبقى السؤال حول ما يعنيه بالضبط إعلان ترامب المفاجئ عن "ريفييرا الشرق الأوسط" بالنسبة للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي من المقرر أن تتم خلالها عمليات تبادل أسرى أخرى، ومن المتوقع أن تنسحب إسرائيل من القطاع بالكامل.

ووفقاً لشبكة فوكس نيوز، التي نقلت عن مسؤول أمريكي، فإن رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني سيكون في فلوريدا يوم الخميس للقاء مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. ومن المقرر أن يناقش الاثنان تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة وبدء مفاوضات المرحلة الثانية.

ومن المتوقع أن يصل كل من ملك الأردن وملك البحرين إلى البيت الأبيض الأسبوع المقبل في زيارتين منفصلتين. وكانت جامعة الدول العربية قد أصدرت يوم الخميس بيانًا رفضت فيه أي سيطرة أمريكية على غزة.

وقال حمدان، المتحدث باسم حماس، إنه في نهاية المطاف، يجب أن يكون للفلسطينيين حقوقهم ووطنهم.

"إذا تم تسليمها لهم من قبل المجتمع الدولي، فسيكون ذلك جيدًا. وإذا لم يكن كذلك، فسوف يقاومون".