إرث كيشيدا: الفضائح والتسويات الداخلية، واحترام عالمي للأمن والدبلوماسية

سيتنحى رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عن منصبه يوم الثلاثاء، ويسلم القيادة لخلفه شيغيرو إيشيبا، الذي من المتوقع أن يتولى منصبه رسميًا في وقت لاحق من اليوم. ويقول إنه يخطط للدعوة إلى انتخابات مبكرة في 27 أكتوبر/تشرين الأول.

كانت معدلات شعبية كيشيدا غير مستقرة خلال معظم فترة ولايته التي استمرت ثلاث سنوات بسبب فضائح الفساد المدمرة التي أدت في النهاية إلى تنحيه.

في الداخل، كان يُنظر إلى كيشيدا على أنه زعيم بلا رؤية قام بالتسوية مع القوميين المحافظين الأقوياء داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم للبقاء في السلطة. لكنه حظي بالاحترام خارج اليابان، وخاصة من الولايات المتحدة، بسبب دفعه لتغييرات جريئة في السياسات الدفاعية والأمنية اليابانية ووقوفه بشكل أكثر صرامة ضد روسيا والصين.

وفيما يلي نظرة على قيادة كيشيدا وإرثه:

الضائقة في الداخل

بعد توليه المنصب في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، اتخذ كيشيدا عددًا من القرارات الرئيسية، مثل التراجع عن التخلص التدريجي من الطاقة النووية في اليابان والسعي إلى تعزيز الجيش بشكل سريع. لكنه تجنب القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل المتعلقة بالجنس. وبصفته رئيسًا لفصيل أصغر في الحزب الحاكم، بدا أن أولويته القصوى هي الحفاظ على قبضة مستقرة على السلطة من خلال تجنب الصدام مع أعضاء المجموعة المحافظة القوية في الحزب الليبرالي الديمقراطي، بقيادة رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي.

وقد أدى اغتيال آبي في يوليو/تموز 2022 وما تلاه من فضائح فساد كبيرة مرتبطة بأعضاء فصيل آبي إلى تركه باستمرار في وضع السيطرة على الأضرار، حيث تراجعت معدلات التأييد له. ونجا كيشيدا نفسه بأعجوبة من هجوم بالمتفجرات خلال خطاب ألقاه في ميناء صيد في واكاياما غرب اليابان في أبريل/نيسان 2023.

وأدت التحقيقات في اغتيال آبي إلى الكشف عن صلات الحزب الليبرالي الديمقراطي الليبرالي بكنيسة التوحيد في كوريا الجنوبية منذ عقود. وأعقبت ذلك فضيحة فساد أكثر ضررًا تورط فيها أكثر من 80 نائبًا من الحزب الليبرالي الديمقراطي، معظمهم أيضًا من فصيل آبي، تتعلق بأموال طائلة غير قانونية.

وقد تم توجيه الاتهام إلى العديد من المشرعين ومساعديهم ومحاسبيهم في تلك الفضيحة.

وقاد كيشيدا تحقيقات داخلية وتحرك لإصلاح وتشديد قوانين التمويل السياسي، لكن مشرعي المعارضة والناخبين اعتبروا الإجراءات غير كافية.

وقد تسبب الغضب العام بسبب فضيحة الأموال الطائلة في خسارة الحزب الليبرالي الديمقراطي في بعض الانتخابات المحلية هذا العام، ودعا المشرعون داخل الحزب إلى وجه جديد للتخلص من الفضائح من أجل الفوز في الانتخابات الوطنية المقبلة.

وينهي كيشيدا فترة ولايته كصانع ملوك يمكن أن يظل مؤثرًا من وراء الكواليس بعد أن ساعد في رفع إيشيبا إلى فوز ساحق في تصويت الحزب يوم الجمعة ضد المحافظ القوي ساني تاكايتشي.

دفاع أقوى

حظي كيشيدا، الذي شغل منصب وزير الخارجية لفترة طويلة في عهد آبي، بالاحترام لسياساته في مجال الأمن القومي والسياسات الخارجية التي عمقت بشكل كبير العلاقات مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين مثل أستراليا والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية والفلبين، مع رفع مكانة البلاد الدولية.

في ديسمبر/ كانون الأول 2022، تبنت حكومة كيشيدا استراتيجية أمنية ودفاعية تتضمن تعزيزًا سريعًا للقوة العسكرية اليابانية للحصول على قدرة "الضربة المضادة" بصواريخ كروز بعيدة المدى، وهو ما يعد خروجًا كبيرًا عن مبدأ الدفاع عن النفس فقط الذي اتبعته اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

حددت حكومة كيشيدا هدفًا مدته خمس سنوات لمضاعفة الإنفاق العسكري الياباني إلى ما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل في نهاية المطاف إلى حوالي 10 تريليون ين (70 مليار دولار)، مما يجعلها ثالث أكبر منفق في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. لكن من غير الواضح كيف ستمول اليابان هذا الإنفاق وتوازنه مع الاحتياجات الملحة الأخرى مثل التعامل مع تقلص عدد سكان البلاد.

في ديسمبر/ كانون الأول، خفف كيشيدا بشكل كبير من قواعد تصدير الأسلحة اليابانية، مما سمح بترخيص صواريخ اعتراضية يابانية الصنع من طراز PAC-3 إلى الولايات المتحدة والمبيعات الأجنبية المستقبلية للطائرات المقاتلة التي تطورها اليابان مع المملكة المتحدة وإيطاليا.

وسرعان ما انضم كيشيدا إلى دول مجموعة السبع الأخرى في معاقبة روسيا ودعم أوكرانيا. وقد قال مرارًا وتكرارًا "أوكرانيا اليوم قد تكون شرق آسيا غدًا"، مقارنًا الغزو الروسي لأوكرانيا بتزايد تأكيد الصين على نفسها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد عمل على تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة.

وكتبت ميرنا غاليتش، كبيرة محللي السياسات في معهد الولايات المتحدة للسلام، في مقال نُشر مؤخراً: "على الرغم من أن نجاحات كيشيدا في الشؤون الخارجية طغت عليها الفضائح السياسية الداخلية التي تورط فيها حزبه الليبرالي الديمقراطي، فضلاً عن النمو الاقتصادي الباهت، إلا أنه أشرف على زيادة سمعة اليابان وشعبيتها في المنطقة والعالم، فضلاً عن إضفاء الطابع المؤسسي على مكاسب الشراكة ذات الصلة".

علاقات أفضل مع كوريا الجنوبية

كان أحد النجاحات الدبلوماسية التي حققها كيشيدا هو تحسن علاقات اليابان مع كوريا الجنوبية، خاصة في مجال الأمن الإقليمي والعلاقات مع حليفهما المشترك، الولايات المتحدة، بسبب المخاوف المشتركة بشأن الصين وكوريا الشمالية.

وقد ساعد كيشيدا، بضغط من واشنطن وبدعم من الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في إصلاح العلاقات بين الجارتين الآسيويتين اللتين عانتا من إرث اليابان الاستعماري والفظائع التي ارتكبتها في الحقبة الاستعمارية. العلاقات المستقرة هي مفتاح الجبهة الموحدة التي تقودها الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.

في أبريل/ نيسان، قام كيشيدا بزيارة رسمية إلى واشنطن وتحدث إلى الكونغرس، مؤكداً عزم اليابان على الوقوف إلى جانب أمريكا كشريك عالمي. وفي عام 2023، دعاه الرئيس جو بايدن إلى قمة ثلاثية في كامب ديفيد مع يون، حيث اتفقا على تعزيز إطار العمل الأمني الثلاثي بينهما.

عندما أعلن كيشيدا في أغسطس/آب عن خططه للتنحي، أشاد بايدن بقيادة كيشيدا، قائلاً إنه ساعد في الارتقاء بالتحالف الأمريكي الياباني "إلى آفاق جديدة".

وقال بايدن في بيان: "استرشد رئيس الوزراء كيشيدا بشجاعة لا تتزعزع ووضوح أخلاقي، وقد حول دور اليابان في العالم". وأضاف أن "قيادة كيشيدا الشجاعة ستبقى في الذاكرة على جانبي المحيط الهادئ لعقود قادمة".

كما ساعد كيشيدا مؤخرًا في التوصل إلى اتفاق مع بكين لرفع الحظر الصيني على واردات المأكولات البحرية اليابانية الذي فرضته بكين بسبب إطلاق اليابان لمياه الصرف الصحي المشعة المعالجة في المحيط الهادئ من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية المحطمة. وتستمر التوترات بشأن النشاط العسكري الصيني بالقرب من المياه والمجال الجوي الياباني.

كما قام بتعميق العلاقات مع دول جنوب شرق آسيا ودول جزر المحيط الهادئ وكذلك ما يسمى بدول الجنوب النامية.

مجموعة الدول السبع هيروشيما ونزع السلاح النووي

يمثل كيشيدا دائرة انتخابية في هيروشيما وكانت استضافة قمة مجموعة الدول السبع الغنية في المدينة في مايو/أيار 2023 من أبرز ما يميز فترة توليه منصبه بما يتماشى مع هدفه المهني المتمثل في العمل من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية.

ومع ذلك، دافع بيان قمة مجموعة الدول السبع بشأن نزع السلاح النووي عن امتلاك الأسلحة النووية كوسيلة ردع، مما خيب آمال الناجين من الهجوم بالقنبلة الذرية الأمريكية عام 1945 وأغضبهم.

ويقول كيشيدا إنه متمسك بمبادئ اليابان بعدم تطوير أو امتلاك أو السماح بنشر أسلحة نووية على أراضيها. وقد دعا إيشيبا، وهو وزير دفاع سابق، إلى تعميق النقاش بين الشركاء الإقليميين حول استراتيجية الردع النووي الأمريكية.

"الرأسمالية الجديدة" لم تقلع أبدًا

تبنى كيشيدا استراتيجية اقتصادية "رأسمالية جديدة" تدعو إلى توزيع أكثر عدالة للثروة الوطنية، وهي بديل للإنفاق الحكومي الثقيل الذي اتبعه آبي وسياسة نقدية شديدة التيسير. ولم تنجح أي من السياستين في إعادة النمو المتعثر إلى مساره الصحيح.

وتتطلب سياسات كيشيدا الدفاعية وسياسات رعاية الأطفال إنفاقًا كبيرًا، كما أن زيادات الأجور التي دعمها، فشلت في مواكبة ارتفاع الأسعار.

تضمنت التحركات الحكومية لمحاولة عكس اتجاه انخفاض معدل المواليد في اليابان في الغالب بدلات رعاية الأطفال للمتزوجين ولم تعالج مشاكل العدد المتزايد من الشباب الياباني المتردد في الزواج وتكوين أسر بسبب آفاق العمل القاتمة وارتفاع تكاليف المعيشة وثقافة الشركات غير الصديقة للأمهات العاملات.