حدود التعاون البريطاني مع التعذيب تكشف عن التواطؤ
أوضحت محكمة بريطانية حدود تعاون الاستخبارات مع دول متهمة بالتعذيب، مؤكدة على ضرورة عدم التواطؤ أو التشجيع على الانتهاكات. الحكم يعزز حظر التعذيب ويحدد مسؤوليات الوكالات البريطانية في تبادل المعلومات.

أوضح قضاة بريطانيون كبار، للمرة الأولى، الحدود القانونية لمدى إمكانية تعاون وكالات الاستخبارات البريطانية مع شركاء أجانب متهمين بالتعذيب، وحكموا بأن المسؤولين البريطانيين يجب ألا يلعبوا أي دور فعال في تشجيعه أو تسهيله.
وقد نظرت محكمة سلطات التحقيق، برئاسة اللورد جاستيس سينغ واللورد بويد من دنكانسبي، فيما إذا كانت أجهزة الاستخبارات البريطانية MI5، و MI6، ومقر الاتصالات الحكومية البريطانية ووزارة الدفاع متواطئة في تعذيب رجلين احتجزتهما وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بين عامي 2002 و 2006.
وخلصت المحكمة إلى أن الوكالات تصرفت في حدود صلاحياتها القانونية، لكنها استخدمت الحكم لرسم خط واضح بين تبادل المعلومات الاستخباراتية المشروعة والتواطؤ غير المشروع في التعذيب.
وقضى القضاة بأنه "لا يوجد شيء غير قانوني من حيث المبدأ إذا تلقى المدعى عليهم معلومات تم الحصول عليها عن طريق تعذيب معتقل من قبل سلطات دولة أخرى".
وقالوا: "ولكن يجب عليهم ألا يفعلوا أي شيء يشجع على الحصول على المعلومات عن طريق التعذيب، على سبيل المثال عن طريق تقديم أسئلة لطرحها في ظروف يكونون على علم، أو يجب أن يكونوا على علم، بأن التعذيب يُستخدم فيها."
وقد رفع القضية كل من مصطفى الهوساوي وعبد الرحيم الناشري، وهما مواطنان سعوديان محتجزان في معتقل غوانتانامو منذ أكثر من عقدين من الزمن.
ويقول كلا الرجلين أن الوكالات البريطانية كانت متواطئة في سوء معاملتهما من قبل السلطات الأمريكية في "المواقع السوداء" السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أفغانستان وبولندا وليتوانيا ورومانيا والمغرب.
وجادل محاموهما، من منظمتي "ريدرس" و"ستيرنبرغ ريد" الحقوقيتين، بأن الوكالات البريطانية قدمت أسئلة ومعلومات استخباراتية إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بينما كانت تعلم أن الرجلين كانا يتعرضان للإيهام بالغرق والحرمان من النوم والإعدام الوهمي وغيرها من الانتهاكات.
وأقرت محكمة التحقيق الدولية التي تعقد جلساتها بشكل سري إلى حد كبير للنظر في الشكاوى المقدمة ضد أجهزة الاستخبارات بأن كلا الرجلين تعرضا "لاستجواب وحشي" و"سوء معاملة شديد". إلا أنها لم تجد أي دليل على أن الوكالات البريطانية قد تجاوزت سلطتها ورفضت الادعاءات التي قدمها المعتقلان.
وقد قبلت المحكمة اعتراف الوكالات بأنها كانت "بطيئة للغاية في تقدير" خطر إساءة المعاملة في الحجز الأمريكي وأنه كان ينبغي أن تكون هناك توجيهات أوضح قبل عام 2006.
كما قبلت المحكمة تأكيد الحكومة بأن المملكة المتحدة "لا تشارك في استخدام التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو تحرض عليها أو تشجعها أو تتغاضى عنها".
ورغم رفض اتهامات الرجلين، إلا أن الحكم يُنظر إليه على أنه توضيح مهم لكيفية تقييد القانون المحلي لتعاون الاستخبارات مع الدول التي تمارس التعذيب وهي مسألة ظلت تحوم حول السياسة الأمنية البريطانية منذ الكشف عن انتهاكات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
يعزز الحكم حظر التعذيب في القانون المحلي والدولي على حد سواء. ووصفت المحكمة الحظر بأنه "مبدأ دستوري" في القانون العام وأكدت من جديد أن المملكة المتحدة يجب ألا تساعد أو تبدو وكأنها تؤيد هذه الممارسة تحت أي ظرف من الظروف.
وقالت الهيئة: "لن يقدم القانون دعمه لاستخدام التعذيب لأي غرض كان". "ولا مكان له في الدفاع عن الحرية والديمقراطية."
وشددت لجنة التحقيق البرلمانية الدولية على أنها لا تجري تحقيقًا علنيًا أو تحدد المسؤولية الجنائية على عكس التحقيقات السابقة في التواطؤ البريطاني في الاعتقالات التي تلت أحداث 11 سبتمبر. في عام 2018، وجدت لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان أن جهاز المخابرات الداخلية البريطاني (MI5) وجهاز المخابرات الداخلية البريطاني (MI6) متورطان في مئات الحالات من سوء معاملة المعتقلين أو تسليمهم من قبل شركاء أجانب، مما أثار دعوات لمزيد من المساءلة.
تمييز ضيق
شاهد ايضاً: خطط الولايات المتحدة المزعومة لترحيل الأشخاص إلى ليبيا "غير إنسانية"، حسبما تقول جماعات حقوق الإنسان
يقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن الحكم الجديد يكشف كيف أن القانون البريطاني لا يزال يميز بشكل ضيق بين تلقي المعلومات التي يتم الحصول عليها تحت التعذيب والمشاركة فيه. ويجادل المنتقدون بأن هذا قد يسمح باستمرار التواطؤ الأخلاقي تحت غطاء قانوني.
لكن بالنسبة للحكومة ووكالات الاستخبارات، فإن الحكم يقدم تأكيداً قضائياً على أن تبادل المعلومات مع الحلفاء مثل الولايات المتحدة يظل قانونياً شريطة ألا يتجاوز المسؤولون البريطانيون إلى المشاركة الفعالة في الانتهاكات.
لا يزال كل من هوساوي والناشري مسجونين في معتقل غوانتانامو، حيث يواجهان المحاكمة أمام لجان عسكرية أمريكية. وقد تمت إدانة معاملتهما من قبل هيئات دولية بما في ذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي وجدت عدة دول متواطئة في إساءة معاملتهما من خلال استضافتها لمواقع الاحتجاز التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
ووفقًا لتقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول برنامج التعذيب الذي تمارسه وكالة الاستخبارات المركزية، فقد تعرض هوساوي في أحد مراكز الاحتجاز في أفغانستان لفحوصات شرجية أجريت له "بقوة مفرطة" لدرجة أنه أصيب بجروح خطيرة ومشاكل صحية مستمرة.
تقنيات الاستجواب المعززة
وأشار التقرير إلى أن هوساوي كان من بين المعتقلين الذين خضعوا لتقنيات استجواب معززة أخرى من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، على الرغم من الشكوك والتساؤلات التي تحيط بمعرفتهم بالتهديدات الإرهابية ومواقع كبار قادة تنظيم القاعدة.
ولم تعترف السلطات الأمريكية باعتقاله إلا بعد نقله إلى معتقل غوانتانامو في سبتمبر 2006.
وجاء في الشكوى التي قدمها هوساوي إلى المحكمة أن هناك "أدلة موثوقة" على أن الوكالات البريطانية قدمت أسئلة أو معلومات للمسؤولين الأمريكيين الذين استجوبوه، وحصلت على معلومات أثناء الاستجواب رغم علمها بأنه كان يتعرض للتعذيب.
وكان الناشري قد ألقي القبض عليه في الإمارات العربية المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2002، واعتقل على خلفية تورطه في هجوم تنظيم القاعدة على المدمرة الأمريكية كول التابعة للبحرية الأمريكية في عدن باليمن عام 2000.
ووفقاً لتقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب، فقد تعرض الناشري مراراً للتعذيب وسوء المعاملة على الرغم من تقييمات المحققين بأنه كان مطيعاً ومتعاوناً.
وشمل ذلك وضعه في "وضع الإجهاد واقفًا" مع تقييد يديه فوق رأسه لمدة يومين ونصف، ووضع مسدس على رأسه وتشغيل مثقاب لاسلكي بالقرب من جسده وهو عاري ومغطى الرأس.
ويجادل محامو الناشري بأنه كان ذا "أهمية خاصة" بالنسبة للمخابرات البريطانية، ويقولون أن السلطات البريطانية سمحت لطائرة خاصة استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لنقل الناشري من تايلاند إلى بولندا في ديسمبر 2002 باستخدام مطار لوتون للتزود بالوقود.
وقال محامي الناشري، هيو سوثي، في وثائق مقدمة إلى المحكمة: "هناك استدلال لا يقاوم على أن الوكالات البريطانية شاركت في تبادل المعلومات الاستخباراتية فيما يتعلق بالمشتكي وتواطأت في تعذيبه وإساءة معاملته".
أخبار ذات صلة

"نحن نعيش في رعب": المصريون في السعودية ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام الوشيك

تأخير محكمة العدل الدولية في غزة يكشف عن الانهيار الأخلاقي للقانون الدولي

الولايات المتحدة: بالانتير توسع أدوات مراقبة المهاجرين لهيئة الهجرة والجمارك بقيمة 30 مليون دولار
