حريق رمسيس يشل البنية التحتية الرقمية في مصر
اندلع حريق ضخم في مركز بيانات رمسيس بالقاهرة، مما أدى إلى شلل كامل في أنظمة الاتصالات والبنوك والنقل في مصر. الحادث يكشف عن ضعف البنية التحتية الرقمية ويثير تساؤلات حول معايير السلامة والحوكمة. تفاصيل الأزمة هنا.

أدى حريق في بورصة رمسيس الحيوية في القاهرة إلى شل أنظمة الاتصالات والمصارف والنقل في جميع أنحاء مصر، مما يكشف كيف أن سنوات من المركزية والحوكمة غير الشفافة قد تركت العمود الفقري الرقمي للبلاد مكشوفًا بشكل خطير.
في يوم الاثنين 7 يوليو، في حوالي الساعة الرابعة عصرًا بالتوقيت المحلي للقاهرة (2 مساءً بتوقيت غرينتش)، اندلع حريق في الطوابق العليا من مركز بيانات رمسيس في وسط القاهرة، وهو مبنى يدعم الكثير من الاتصال الرقمي في مصر.
وبعد دقائق، تعطلت شبكات الهاتف المحمول. اختفى الاتصال بالإنترنت في 20 محافظة على الأقل من محافظات مصر الـ 27 أو أصبح الوصول إليها شبه مستحيل. وتوقفت التطبيقات المصرفية ومحطات الدفع عن العمل. وتعطلت الخطوط الساخنة للطوارئ وعمليات الطيران. لساعات، تعطلت البنية التحتية الرقمية في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
وفي اليوم التالي، أعلنت الحكومة خروج المنشأة عن الخدمة. وقد أسفر الحريق عن مقتل أربعة موظفين داخل المبنى وإصابة 27 آخرين على الأقل، بمن فيهم رجال الإطفاء. أدت الوفيات والفوضى التي أعقبت ذلك إلى إعادة التدقيق في معايير السلامة في المواقع الحيوية.
وفي مساء يوم الخميس، وبعد أن أخمد رجال الإطفاء الحريق، اندلع حريق أصغر في الطابق العلوي مباشرةً، ليفاجئ الجميع.
وفي أعقاب الحادث، ادعى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت أن خدمات الطوارئ لم تتأثر بالحادث. لكن منصة تقصي الحقائق صحيح مصر أثبتت عكس ذلك: فقد تعطلت جميع الخطوط الساخنة للإسعاف والشرطة والإطفاء في عدة محافظات.
شاهد ايضاً: والدة علاء عبد الفتاح على وشك الانهيار
وفي الوقت نفسه، توقفت الحياة في العاصمة وكذلك في الجيزة والإسكندرية والمحافظات الرئيسية الأخرى حتى وقت لاحق من اليوم التالي.
تلقى قطاع التكنولوجيا المالية ضربة قوية. فقد انهارت منصات الدفع عبر الهاتف المحمول، وتوقفت ماكينات الصراف الآلي عن العمل وتوقفت ماكينات البطاقات في المتاجر عن العمل. وأصدر البنك الأهلي المصري وبنك مصر اعتذارات رسمية لعملائهما.
لم يتمكن الآلاف من المصريين الذين لا يملكون ما يكفي من النقود من تزويد سياراتهم بالوقود أو الدفع في المطاعم أو استخدام تطبيقات النقل التشاركي. ولم يتمكن آخرون من سحب الأموال من ماكينات الصراف الآلي أو تحويل الأموال. حتى الآباء والأمهات الذين حاولوا الاتصال بأطفالهم في دور الرعاية النهارية انقطع الاتصال بهم.
وفي وقت لاحق من ذلك المساء وحتى الليل، أكدت وزارة الطيران المدني أن أنظمة المطارات قد تعطلت، مما أدى إلى تأخير 69 رحلة جوية. وعلقت البورصة المصرية التداول في اليوم التالي.
تحدثت مصادر مع خبراء ونشطاء في مجال التكنولوجيا الذين ألقوا الضوء على حجم الأزمة، لكنهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
"لم يكن هذا مجرد خلل. لقد كانت أزمة وطنية"، قال أحد خبراء أمن الاتصالات. "ضربة واحدة على مبنى واحد أصابت البنية التحتية للدولة بالشلل."
الإجابات المطلوبة
شاهد ايضاً: كيف ستعزز الحزب السياسي الجديد في مصر قمع الدولة
كما هو الحال مع العديد من الحرائق على مدى العقود الماضية، حتى قبل بدء التحقيق وبينما كان رجال الإطفاء لا يزالون يكافحون الحريق سارع المسؤولون إلى إلقاء اللوم في الحادث على "ماس كهربائي".
ومع ذلك، سرعان ما وصلت التداعيات إلى مجلس النواب، حيث دعا المشرعون إلى المساءلة.
ووصفت النائبة مها عبد الناصر الحادث بأنه "ضربة تكنولوجية" أدت إلى تجميد الخدمات العامة. وقدمت استجواباً عاجلاً لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، محذرةً من "الضرر الهائل" الذي لحق بالحوكمة وثقة الجمهور.
شاهد ايضاً: أصدقاء الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف يخشون من تسليمه إلى مصر أو الإمارات العربية المتحدة
كما قدم نائب آخر، فريدي البياضي، استفسارًا مماثلًا، ولكن من المفارقات أنه لم يتمكن من إرساله إلكترونيًا بسبب تعطل البوابة الإلكترونية للبرلمان.
وقال لوسائل الإعلام المحلية: "الأمر لا يتعلق بحريق". "إنه يتعلق بنظام وطني مبني حول لوحة مفاتيح عفا عليها الزمن."
منشأة رمسيس ليست عقدة عادية. فقد بُنيت في عام 1927 في عهد الملك فؤاد الأول، وكانت في الأصل بمثابة المركز الوطني للتبادل البرقي والخدمات الهاتفية.
وبمرور الوقت، تطور المركز ليصبح مركزاً للاتصالات في مصر، حيث يستضيف الآن مقسم القاهرة للإنترنت، وأنظمة التوجيه بين المشغلين وأنظمة إنزال الكابلات البحرية التي تربط البلاد بالشبكة العالمية.
وعلى الرغم من ادعاء وزارة الاتصالات أن مركز رمسيس ليس المركز الوحيد، إلا أن المقاييس تشير إلى خلاف ذلك. فقد أكد تحديث عام على موقع X أن بيانات الشبكة تُظهر أن الاتصال الوطني في مصر وصل إلى 62% من المستويات العادية وسط الحريق.
نشرت مؤسسة مسار وهي مؤسسة حقوقية معنية بالتكنولوجيا ورقة بحثية في اليوم التالي للحريق، وخلصت إلى أن الانقطاع بدا فوريًا وأثر على العديد من مزودي خدمة الإنترنت في وقت واحد وهو دليل على الدور المحوري لمركز رمسيس في توجيه حركة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.
أكدت المؤسسة التي تتخذ من القاهرة مقرًا لها اعتماد مصر المفرط على بنية تحتية مركزية وقديمة للاتصالات، حيث يمكن لحادث واحد أن يؤدي إلى انقطاع شامل على مستوى البلاد.
كما حذرت "مسار" من أنه ما لم يتم الاستثمار الجاد في تحديث وتنويع البنية التحتية الرقمية للبلاد، فإن الاضطرابات المستقبلية سواء كانت ناجمة عن الكوارث الطبيعية أو الأعطال التقنية أو الهجمات الإلكترونية ستظل تهديدًا حقيقيًا ومتكررًا لمؤسسات الدولة والحياة اليومية.
"إنه قلب النظام بأكمله. إذا توقف عن النبض، انهار الجسد"، هكذا قال مهندس سابق في الشركة المصرية للاتصالات المملوكة للدولة (التي أعيدت تسميتها باسم WE).
نتيجة متوقعة
على الرغم من أن سبب الحريق ربما كان عرضيًا، إلا أن محللي الاتصالات يرون أن النتيجة كانت متوقعة.
يقول الخبراء إن الضمانات الأساسية مثل مسارات تجاوز الأعطال، ومراكز البيانات اللامركزية وبروتوكولات الاسترداد الآلي كانت إما مفقودة أو غير فعالة.
يقول أحد مستشاري الاتصالات في القاهرة: "كان من الممكن تفادي هذا الانهيار. لا ينبغي أن تكون أي منشأة حرجة "نقطة فشل واحدة". فمليارات مصر في التحول الرقمي لا تعني شيئاً بدون التكرار."
شاهد ايضاً: جون ستينهايزن: زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين يتعهد بـ"إنقاذ" جنوب أفريقيا في انتخابات عام 2024
من الناحية الفنية، نقطة الفشل الواحدة هي مكوّن إذا فشل، فإنه يؤدي إلى انهيار النظام بأكمله. وهو عيب خطير عندما لا توجد نسخ احتياطية أو أنظمة طوارئ.
وقد عُرفت الحكومة المصرية منذ عقود بتشديد قبضتها على خدمات الاتصالات. فخلال ثورة يناير 2011، أفادت تقارير أن شركة رمسيس للصرافة كانت بمثابة مركز قيادة لقطع الاتصالات ومراقبة النشطاء بأمر من الأجهزة الأمنية.
في الساعات الأولى من يوم 28 يناير، التي أطلق عليها "جمعة الغضب"، انقطعت شبكات الهاتف المحمول وخدمات الإنترنت في مصر بالكامل. وسُحب توجيه البيانات من البوابات العالمية، كما أكدته لاحقًا منظمات مثل مبادرة الشبكة المفتوحة.
شاهد ايضاً: سجن سوليجا: 108 سجينًا في هروب بنيجيريا
على الرغم من تحرير قطاع الاتصالات في مصر رسميًا، إلا أنه لا يزال خاضعًا لسيطرة الدولة بإحكام.
وقال استشاري اتصالات مستقل: "تهيمن الشركة المصرية للاتصالات، التي تملك الدولة أغلبية أسهمها، على البنية التحتية للخطوط الثابتة وتؤجر العمود الفقري للمشغلين الآخرين".
وأضاف: "إن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، الذي من المفترض أن يكون مستقلاً، مرتبط هيكلياً بالوزارة الحالية".
وقد سلط تقرير الاقتصاد الرقمي لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي الضوء على هذا التضارب في المصالح، مشيرًا إلى: "إن الدور المزدوج للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات كمنظم ومنفذ للسياسات يخلق خطرًا كبيرًا من التحيز... لصالح الشركة المصرية للاتصالات."
أكد وزير الاتصالات في تصريحات صحفية أنه "تم نقل جميع الخدمات إلى مراكز بديلة"، لكن المنتقدين يرون أن هذا يؤكد أن الخدمات كانت مركزية في رمسيس قبل الحريق.
وبحلول يوم الأربعاء، كانت الخدمات قد عادت تدريجيًا خلال يومين بعد الحادث، لكن الثقة لا تزال متضررة. وقد طالب المشرعون بالشفافية وسط دعوات لإصلاح قطاع الاتصالات، بينما تواصل الحكومة الإصرار على أن ما حدث كان حدثًا معزولًا.
وسط هذه المطالبات، لم يقبل أي مسؤول رفيع المستوى تحمل المسؤولية حتى الآن. ولم تصدر الحكومة حتى الآن تقييمًا للأضرار أو تعلن عن خطة لتخفيف الأضرار.
وقال أحد المدافعين عن الحقوق الرقمية: "الملايين من المعاملات المفقودة وتوقف سوق الأسهم والتجارة غير المتصلة بالإنترنت هذه هي التداعيات"، وأضاف: "لكن بدون الشفافية، لن نعرف أبدًا التأثير الحقيقي".
أخبار ذات صلة

أفادت مصادر: ليبيا وإدارة ترامب تناقشا بشأن مشاركة مليارات الدولارات من الأموال المجمدة.

كيف قامت وكالة الاستخبارات المركزية بتجنيد كاتبة وُلِدت لعائلة ملكية عثمانية وهندية

مصر: اعتقال زوجة الرسام الكاريكاتيري المحتجز أشرف عمر بعد ظهورها في بودكاست
