الهجوم الإسرائيلي على سوريا وتداعياته الطائفية
تسليط الضوء على الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على سوريا، الذي يُروج كإجراء لحماية الدروز، بينما يتجاهل معاناة الفلسطينيين. كيف تعكس هذه الأحداث استراتيجية إسرائيل في تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية في المنطقة؟

تم تسويق الهجوم الجوي الإسرائيلي غير المسبوق على سوريا هذا الشهر، والذي استهدف مواقع عسكرية ومدنية في دمشق والسويداء، على أنه إجراء لحماية الأقلية الدرزية وهو موقف مثير للسخرية، بالنظر إلى حرب إسرائيل المستمرة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الأقلية المسيحية في غزة.
وقد جاء العدوان الإسرائيلي في أعقاب تدخل الحكومة السورية في جنوب البلاد وسط تصاعد العنف بين الفصائل الدرزية والمجتمعات البدوية.
وكان هذا التدخل جزءًا من جهود الحكومة الأوسع نطاقًا لتوطيد السيادة الوطنية واستعادة السلطة الكاملة على كامل الأراضي السورية، وسط مساعي جماعات الأقليات المدعومة من الخارج لإقامة جيوب طائفية أو عرقية.
شاهد ايضاً: اقترحت مؤسسة غزة الإنسانية إنشاء معسكرات للفلسطينيين "للإقامة واجتثاث التطرف وإعادة الاندماج"
وقبل الهجوم، روجت إسرائيل لرواية مفادها أن الحكومة السورية الجديدة كانت مستعدة لتطبيع العلاقات مع تل أبيب في ظل ظروف مواتية، بما في ذلك استمرار السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. لكن دمشق نفت تقارير عن أي محادثات مباشرة بين الرئيس أحمد الشرع والمسؤولين الإسرائيليين.
وبغض النظر عن ذلك، يشير العدوان الإسرائيلي الأخير إلى فشل الضغوط الدبلوماسية والعسكرية الإسرائيلية على الإدارة السورية الجديدة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صرح بأن طموحات إسرائيل في سوريا تشمل نزع السلاح من الجنوب، تحت ستار حماية الدروز، لكن استراتيجية تل أبيب الجيوسياسية الأوسع نطاقًا واضحة: إضعاف الحكومة السورية، مع تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية.
ومن شأن هذه الفوضى المدارة أن تمكّن إسرائيل من تعزيز احتلالها، وتسريع استيلائها على الأراضي، وتوسيع نفوذها شرقاً من خلال التحالفات مع الأقليات الأخرى، مثل وحدات حماية الشعب الكردية.
تنطوي استراتيجية إسرائيل طويلة الأمد على استخدام الأقليات كسلاح في جميع أنحاء المنطقة لتعزيز أجندتها الجيوسياسية التوسعية، كما اتضح تاريخيًا في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا.
تفتيت المنطقة
استخدمت إسرائيل الطائفة الدرزية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك في الإبادة الجماعية الأخيرة في غزة. وفي لبنان، دعمت إسرائيل جيش لبنان الجنوبي الذي يهيمن عليه المسيحيون، والذي تم حله في نهاية المطاف في عام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي. كما دعمت تل أبيب منذ فترة طويلة الفصائل الكردية في شمال العراق، وألقت بثقلها وراء تطلعاتهم للاستقلال.
بالنسبة لإسرائيل، فإن تفتيت المنطقة إلى كيانات عرقية وطائفية أصغر يخدم على المدى الطويل إضفاء الشرعية على وجودها كدولة استعمارية استيطانية. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد إسرائيل أن تعزيز مثل هذه الانقسامات يخلق إحساسًا بالوحدة والاصطفاف بين الأقليات في مواجهة الأغلبيات الإقليمية، وخاصة العرب السنة.
وقد تم استخدام هذه الاستراتيجية من قبل قوى إقليمية أجنبية أخرى، مما مكّن نظام الأسد من البقاء على قيد الحياة بعد 14 عامًا من الحرب الأهلية.
وقد أصبح الزعيم الدرزي حكمت الهجري، الذي دعم نظام الأسد البائد خلال الانتفاضة السورية، شخصية محورية معارضة للإدارة الجديدة. بعد سقوط الديكتاتور بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يقال إن الهجري مثّل مجلساً عسكرياً محلياً، يضم جنرالات سابقين من الأسد، كان متحالفاً مع إسرائيل ووحدات حماية الشعب؛ بالإضافة إلى مطالبته بممر بري شرقاً من جنوب سوريا باتجاه قاعدة التنف العسكرية الأمريكية، كما قيل إن بعض أعضاء المجلس تعهدوا بالولاء
بالتوازي مع الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع الحكومة السورية، كما طالب بإنشاء ممر يربط السويداء بشمال شرق البلاد، حيث تنشط وحدات حماية الشعب.
وقد أثار هذا الطلب ردود فعل قوية، لا سيما من تركيا خاصة وأن قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب المكون الرئيسي لها، رفضت حل نفسها وتسليم أسلحتها للحكومة المركزية في دمشق، متوقعةً دعمًا من إسرائيل.
وقد ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإسرائيل ووصفها بـ دولة إرهابية تهدف إلى تقويض سيادة سوريا ووحدتها، ورفض تقسيم سوريا على أسس عرقية أو طائفية. ومع ذلك، وفي خضم تغير ميزان القوى الإقليمي في أعقاب الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران، مارست أنقرة ضبط النفس بشكل ملحوظ تجاه إسرائيل، مدركةً أن المزيد من التصعيد قد يؤدي إلى انهيار الدولة السورية، مما يخدم مصالح تل أبيب.
المسار الدبلوماسي
يتأثر إحجام تركيا عن مواجهة إسرائيل في هذه اللحظة بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، بما في ذلك التحديات الاقتصادية والمعارضة السياسية الداخلية والحل الجاري لحزب العمال الكردستاني.
وعلى الرغم من أن العلاقات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ساعدت تركيا في السابق في الدفاع عن سوريا، إلا أن الأحداث الأخيرة أظهرت أن الثقة بترامب ليست من الحكمة في شيء، فهو ليس حليفًا موثوقًا به. إن اتخاذ قرار بمواجهة إسرائيل باستخدام القوة الصلبة، استنادًا إلى الدعم المتصور من ترامب، سيكون خطأً.
ونتيجة لذلك، اختارت تركيا طريقًا دبلوماسيًا، وانضمت إلى 10 دول عربية في إدانة إسرائيل وإعادة التأكيد على سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وبحسب الرئيس السوري أحمد الشرع، فإن تدخل أنقرة وبعض الدول العربية لمواجهة مخططات إسرائيل في سوريا "أنقذ المنطقة من مصير مجهول".
وبالنسبة لسوريا، تبقى خياراتها الاستراتيجية محدودة في ظل محاولات الشرع مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية المزعزعة للاستقرار والنفوذ الإسرائيلي. وقد لا تكون الدعوة إلى المواجهة العسكرية مع إسرائيل غير المكبوحة وسوريا غير المستعدة الخيار الأكثر حكمة، خاصة إذا ما كانت ستؤدي إلى مزيد من المكاسب لإسرائيل.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الإدارة الجديدة والشعب السوري إعطاء الأولوية لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار وبناء المؤسسات، من المهم النظر في الاستراتيجيات التي يمكن أن تزيد من تكاليف الأعمال الإسرائيلية في سوريا.
وبالنظر إلى التعقيدات الجيوسياسية والأمنية، قد تستفيد سوريا من القنوات الدبلوماسية والتحالفات الإقليمية بشكل أكثر فاعلية، لا سيما مع تركيا والسعودية والدول العربية الداعمة، لمواجهة الأطماع الإسرائيلية دون تصعيد فوري. وقد يساعد تعزيز التماسك الداخلي، وتعزيز الشرعية الوطنية، وعزل فصائل الأقلية المدعومة من قوى أجنبية من خلال الضغط الشعبي المكثف على الدولة في الحد من نقاط ضعفها.
وفي نهاية المطاف، ستعتمد قدرة سوريا على الصمود على تحقيق التوازن بين الانخراط الدبلوماسي والاستقرار الداخلي والتأهب العسكري في مواجهة استراتيجية إسرائيل متعددة الأوجه.
ويمكن أن تتمثل إحدى الخطوات الحاسمة في القضاء على التهديد الداخلي النابع من وحدات حماية الشعب، بالتعاون مع أنقرة والتحالف الراغب في ذلك.
وبعبارة أخرى، إذا لم تسفر عملية التفاوض الحالية عن تسليم وحدات حماية الشعب للأسلحة ونزع سلاحها، فإن عملية عسكرية تبدو حتمية ضد الجماعة المسلحة لثني إسرائيل عن الاعتماد على الأقليات الانفصالية.
ومن شأن خطوة كهذه أن تقوض قيمة ورقة الهجري بالنسبة لإسرائيل، وربما تمنع توسع إسرائيل في شرق سوريا وشمالها عبر حصان طروادة الدرزي.
ومن خلال تعميق الروابط العسكرية والأمنية مع تركيا، وترسيم الحدود البحرية مع أنقرة، وتكثيف استعدادها للعب اللعبة الطويلة، يمكن لسوريا في نهاية المطاف أن ترفع تكاليف التدخل الإسرائيلي في المستقبل.
أخبار ذات صلة

السفير الأمريكي توم باراك متهم بشكل غير صحيح بالتخطيط لتقسيم تركيا

"هذه ليست أنا": الحرب الإسرائيلية وانهيار الرعاية الصحية تجعل طفلة غزة غير قابلة للتعرف عليها

مع دخولنا عام 2025، نأمل أن تكون أعظم احتفالية هي إنهاء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في إسرائيل.
