إعادة تشكيل الشرق الأوسط تحت قوة ترامب
تسعى إدارة ترامب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر القوة العسكرية، مما يهدد الاستقرار الإقليمي. هل يمكن لإسرائيل أن تصبح قوة مهيمنة رغم التحديات السياسية؟ اكتشف كيف تؤثر هذه الاستراتيجية على العلاقات في المنطقة.

تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد شنها ضربات على إيران الشهر الماضي، حيث تتبنى استراتيجية تتسم بـ "السلام من خلال القوة" و "التجارة وليس الفوضى".
وفي حين يتم تقديم هذه المقاربة على أنها براغماتية، إلا أنها تخاطر بزعزعة استقرار المنطقة لصالح تعظيم الميزة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة وإسرائيل.
يعتبر الرئيس دونالد ترامب نفسه "خبيرًا في إبرام الصفقات"، معتقدًا أن الضربات العسكرية المحسوبة تخلق نفوذًا لتحقيق مكاسب دبلوماسية لا سيما من خلال الضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات.
شاهد ايضاً: قوات سعودية تعتقل حاجًا لرفع علم فلسطين في مكة
وتركز استراتيجيته على القوة العسكرية الساحقة ولكن قصيرة الأجل لتحقيق أهداف محددة، وتجنب التشابكات المطولة أو "الحروب الأبدية". كما أنها تمثل رفضًا لبناء الدولة، وتحويل عبء الاستقرار الإقليمي إلى الشركاء المحليين.
وعلى الرغم من تراجع القيمة الاستراتيجية لموارد الطاقة في الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن المنطقة لا تزال ذات أهمية حاسمة وربما أكثر أهمية في ظل الإدارة الحالية. وكما جاء في تقرير ميد ذيس ويك، هناك ثلاثة عوامل أساسية تشكل الإجراءات الأمريكية الأخيرة.
العامل الأول هو التحالف الأيديولوجي بين حكومات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وإسرائيل، والذي يتجاوز "العلاقة الخاصة" التقليدية ويعكس اصطفافًا سياسيًا واستراتيجيًا أعمق.
كما أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى الهيمنة الإسرائيلية كوسيلة للاستقرار الإقليمي، وتتصور "إسرائيل الكبرى" المهيمنة، مدعومة بدعم أمريكي ساحق، قادرة على فرض السلام من جانب واحد وتهميش إيران.
وأخيرًا، برزت المصالح المالية الشخصية لا سيما مصالح ترامب وعائلته بشكل بارز خلال زيارته الأخيرة إلى الخليج.
كان الهدف المباشر للحرب التي استمرت 12 يومًا هو تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية ومنعها من امتلاك أسلحة نووية.
وقد أعلن ترامب عن "تدمير" أو "إغلاق" المواقع الرئيسية، مشيدًا بالحملة باعتبارها ضربة حاسمة ضد تهديد وجودي متصور. (وجد تقرير استخباراتي أمريكي صدر مؤخرًا أن منشأة واحدة فقط من المنشآت النووية الثلاث المستهدفة قد دُمرت بالكامل، ومن المتوقع أن تعود المنشآت الأخرى للعمل مرة أخرى في غضون أشهر).
وقد أدت هذه العمليات العسكرية إلى إعادة تشكيل ديناميكيات القوى الإقليمية بشكل كبير، مما دفع استراتيجية إدارة ترامب الإقليمية إلى الأمام: تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، وربما تمتد إلى عُمان وإندونيسيا وقطر.
ومع ذلك، لا يزال هذا السعي لإعادة الاصطفاف مقيدًا بالحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة. ويُنظر إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين كشرطين أساسيين للمضي قدمًا في التطبيع وتوسيع نطاقه.
إسرائيل: قوة مهيمنة؟
لقد أظهرت الولايات المتحدة استعدادها للتصرف من جانب واحد بقوة ساحقة لا سيما من خلال استخدام قنابل "خارقة للتحصينات" على المواقع النووية الإيرانية. وقد صُوِّر ذلك على أنه استعراض للقوة الأمريكية التي لا مثيل لها، والتي لا تستهدف إيران فحسب، بل أيضًا كرادع لمنافسيها مثل الصين وروسيا.
وفي الوقت نفسه، سعت إسرائيل إلى إبراز نفسها كـ قوة عسكرية هائلة ذات نفوذ استخباراتي عميق في البنية التحتية النووية والأمنية الإيرانية.
حتى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين زعموا أن إسرائيل قد انضمت إلى صفوف القوى العالمية، على الرغم من أن الضربات، التي قتلت أعدادًا كبيرة من المدنيين، أثارت انتقادات واسعة النطاق وأثارت تساؤلات حول شرعية مثل هذه الادعاءات.
ومع ذلك، يبقى السؤال: هل يمكن أن تصبح إسرائيل حقًا قوة مهيمنة في المنطقة؟
على الرغم من عملياتها الأخيرة ومكاسبها التكتيكية قصيرة الأجل، تواجه إسرائيل عوائق هيكلية وسياسية تحول دون استمرار هيمنتها.
فهي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي الأمريكي. ولا تزال النزاعات الإقليمية العميقة الجذور قائمة، لا سيما القضية الفلسطينية التي لم تُحل، والتي لا تزال تلهب الرأي العام وتعرقل المشاركة الدبلوماسية المجدية.
ومن غير المرجح أن تقبل القوى الإقليمية الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر التوسع أو الهيمنة الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يبدو أن إرادة إيران السياسية لمواصلة طموحاتها النووية لم تتراجع، حيث يشير بعض المحللين إلى أن الضربات الأخيرة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تسريع تطويرها النووي بدلاً من ردعها.
ومن غير المرجح أن تتفاوض القيادة الإيرانية، ولا سيما المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، من موقف ضعف متصور.
يأتي التصعيد العسكري الأخير في أعقاب حملة "الضغط الأقصى" الأمريكية وموقفها العدائي تجاه إيران بعد انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي الإيراني، في عام 2018. وقد عززت هذه التطورات مجتمعةً انعدام الثقة بإيران وضيّقت أكثر من مساحة الدبلوماسية.
علاوة على ذلك، لا يوجد تقييم موثوق بأن الضربات الأخيرة قد شلت البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم. ويعتقد العديد من المحللين أن أي انتكاسات ستستمر لأشهر فقط، وليس لسنوات، وأن إيران ستعمل ببساطة على نقل عملياتها إلى أماكن أعمق تحت الأرض.
حواجز الطريق إلى الهيمنة
تظل القضية الفلسطينية التي لم تحل بعد أكبر عقبة أمام توسيع اتفاقات إبراهيم وتحقيق السلام في المنطقة.
وقد أوضحت المملكة العربية السعودية موقفها: فهي تطالب بالتزام لا لبس فيه بإقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، فإن حكومة نتنياهو التي تشكلها قوى اليمين المتطرف تعطي الأولوية للهيمنة العسكرية على المفاوضات المجدية، لا سيما في غزة والضفة الغربية.
وقد أدى العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة إلى تأجيج الرأي العام العربي، مما جعل التطبيع مكلفًا سياسيًا بالنسبة للقادة الخليجيين. وبدون رؤية واضحة لما بعد الحرب لغزة ووقف شامل لإطلاق النار، فإن الهيمنة الإسرائيلية غير مستدامة.
تخشى الأطراف الإقليمية، وخاصة في الخليج، من الظهور بمظهر المتواطئ مع دولة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تنتهك الحقوق العربية.
لقد شوهت حرب إسرائيل المطولة في غزة وعدم وجود خارطة طريق سياسية صورتها العالمية، مما أدى إلى إدانة دولية متزايدة وحتى إضعاف الدعم من الحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي (رغم أنه رفض اتخاذ أي إجراء).
وقد أدى تآكل الدعم الدبلوماسي لإسرائيل إلى جانب الرفض المستمر لمحاسبتها على جرائم الحرب التي ترتكبها إلى زيادة عزلتها، مما قوض أي محاولة منها للحصول على قيادة إقليمية حقيقية.
وفي الوقت نفسه، تعتمد عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التفوق العسكري باعتباره الضمان الوحيد للسلام. ولكن حتى "الانتصارات" العسكرية المزعومة تأتي بتكاليف بشرية واقتصادية باهظة سواء بالنسبة للفلسطينيين أو الإسرائيليين.
وحتى لو أدت العمليات العسكرية الخارجية إلى تعزيز الدعم الداخلي مؤقتًا كما رأينا في إيران فإنها غالبًا ما تفشل في إحداث تغيير في النظام أو تحقيق الاستقرار على المدى الطويل. وقد أظهرت عقود من التدخلات الخارجية أن التحولات السياسية المفروضة من الخارج من المرجح أن تؤدي إلى الفوضى أكثر من السلام الدائم.
وقد ضاعفت الضغوط الإقليمية والداخلية من التحديات التي تواجه طموحات الهيمنة الإسرائيلية.
تخشى دول الخليج، المتخوفة من انهيار إيران، من الفوضى الناتجة عن ذلك والأزمة الإنسانية وتدفق اللاجئين والانتشار النووي.
على الصعيد الداخلي، يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة وسط إحباط شعبي بسبب فشله في تأمين وقف إطلاق النار الكامل في غزة أو إطلاق سراح جميع الرهائن مما يكشف عن انقسامات داخلية تتحدى أي استراتيجية متماسكة طويلة الأجل.
شاهد ايضاً: مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية: يجب على الولايات المتحدة أن تبتعد عن إسرائيل التي تزداد سمية.
والأهم من ذلك أن إسرائيل لم تنشئ سلطة حكم فلسطينية شرعية لتولي السيطرة على غزة، ولم تنجح في فرض قيادة خارجية أو مستلحقة. والنتيجة هي الفوضى وظهور حركات مقاومة جديدة وهو ما يعكس فشل الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
التحدي الإقليمي
ظلت المملكة العربية السعودية غير راغبة في احتضان الأطماع الإسرائيلية، مصرة على أن أي تطبيع يجب أن يسبقه التزام ملموس بإقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، فإن العدوان الإسرائيلي جعل من غير الممكن الدفاع سياسياً عن أي اتفاقات أخرى.
وتعيد بعض دول الخليج تقييم نهجها تجاه إسرائيل، وتتساءل عما إذا كانت أفعالها تعزز الاستقرار أو تثير المزيد من الصراع. ويفضل الكثيرون الآن إضعاف كل من إيران وإسرائيل على المدى الطويل، بدلًا من تحقيق انتصار حاسم لأي منهما، للحد من التهديدات التي تواجه أنظمتها.
تشير استراتيجيات التحوط السعودية والإماراتية بما في ذلك التواصل مع إيران إلى الرغبة في تجنب الانحياز إلى طرف في الصراعات الإقليمية، مما يقلل من استعدادهما للانضمام إلى تحالف مناهض لإيران بقيادة إسرائيل.
ومن غير المرجح أن تقبل تركيا أيضًا بالهيمنة الإقليمية الإسرائيلية.
فما كان في السابق "عصرًا ذهبيًا" من التعاون في التسعينيات تحول إلى شكوك متبادلة. فقد أصبح القادة الأتراك أكثر صراحةً في إدانتهم لأفعال إسرائيل، لا سيما في غزة، وتنظر أنقرة إلى تحالفات إسرائيل المتزايدة مع اليونان وقبرص على أنها تهديد.
وتستمر تركيا في بناء قدراتها العسكرية والصاروخية وتؤكد نفوذها الإقليمي في سوريا. كما أنها تضع نفسها كوسيط محتمل في التوترات الإسرائيلية-الإيرانية وهو مؤشر على رغبتها في التصرف بشكل مستقل.
رؤية هشة
ربما تكون حملة ترامب العسكرية قد أضعفت طموحات إيران النووية وحلفائها الإقليميين، لكن الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل لا يزال بعيد المنال. ويوصف "السلام" الحالي بأنه هدنة هشة أكثر دقة من كونه تحولاً دائماً.
فقد فشل التفوق العسكري الإسرائيلي في جوهره في تقديم حلول سياسية. ومن دون معالجة القضية الفلسطينية، وتحقيق الاستقرار في غزة، والتغلب على الخصومات الإقليمية المعقدة، فإن السلام الدائم مستحيل.
وحتى لو تم إخضاع جماعات المقاومة المسلحة مثل حزب الله أو حماس مؤقتًا، فإن قدرة المنطقة على توليد أشكال جديدة من المقاومة ستستمر.
قد تحافظ إسرائيل على تفوقها العسكري، لكنها ستواصل الصراع على الشرعية والقيادة في الشرق الأوسط.
ومع تصاعد انتهاكات القانون الدولي من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، تبدو الرسالة واضحة: "الضعفاء فقط هم من يتبعون القواعد". هذه السابقة تقوّض الأمن الجماعي وتقوّض أي توافق إقليمي ذي مغزى.
إن السلام الحقيقي والدائم لن يتحقق من خلال الهيمنة وحدها، بل يتطلب الدبلوماسية والعدالة والشجاعة لمواجهة الأسباب الجذرية للصراع.
أخبار ذات صلة

مقاتلو حزب العمال الكردستاني يحرقون الأسلحة في احتفال تاريخي لنزع السلاح

غارة إسرائيلية على مستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة تودي بحياة أربعة صحفيين

أشرطة فيديو مقلقة تُظهر اعتداءات ضباط فلسطينيين على منتقدي حملة جنين الأمنية
