مبادرة الرباعية نحو السلام في السودان هل تنجح؟
مع استمرار الحرب في السودان، تبرز مبادرة الرباعية كخطة جديدة للسلام. لكن هل يمكن أن تجلب هذه الدبلوماسية الفعالة الأمل لدولة ممزقة؟ اكتشفوا التحديات والفرص في مسار السلام المعقد.

مع استمرار الحرب المدمرة في السودان، بدأت تتبلور دفعة دبلوماسية جديدة تعد بخارطة طريق جديدة لإنهاء الصراع. لكن خلف التصريحات والاجتماعات رفيعة المستوى يكمن سؤال مهم: هل يمكن أن يجلب هذا الأمر السلام حقاً إلى دولة ممزقة؟
بعد ما وصفه العديد من المراقبين بـ "الدبلوماسية الباهتة، كشفت ما يسمى بالرباعية التي تضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة مؤخرًا عن خارطة طريق منسقة تهدف إلى إنهاء الحرب الكارثية في السودان.
والسؤال الحاسم الذي يواجه الدبلوماسيين والسياسيين المدنيين السودانيين هو ما إذا كانت هذه المبادرة تمثل نقطة تحول حقيقية أم أنها مجرد حلقة في سلسلة من المناورات الدبلوماسية الفاشلة.
تمثل دفعة السلام الرباعية، التي أُعلن عنها الشهر الماضي، ارتقاءً كبيرًا في الانخراط الأمريكي. ويرجع هذا التحول إلى عاملين رئيسيين. أولاً، اهتم مسعد بولس، المستشار الخاص لإدارة ترامب، بالسودان، معلنًا أنه "أولوية" ويبدو أنه حريص على تحقيق نجاحات دبلوماسية.
ثانياً، ضغطت أبو ظبي والقاهرة والرياض بنشاط على واشنطن لإبداء رأيها، مما يعكس انزعاجها المتزايد من المستنقع الذي خلقته الحرب.
البيان المشترك الصادر عن المجموعة الرباعية يحدد خارطة طريق: هدنة إنسانية أولية مدتها ثلاثة أشهر للسماح بإيصال المساعدات بسرعة، يليها وقف دائم لإطلاق النار، وتختتم بفترة انتقالية مدتها تسعة أشهر تؤدي إلى "حكومة مستقلة بقيادة مدنية تتمتع بشرعية ومساءلة واسعة النطاق".
يعكس توقيت هذه المبادرة حسابات استراتيجية. فقد تحسنت احتمالات التوصل إلى هدنة بعد أن استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم في مارس/آذار، مما أزال عقبة رئيسية أمام وقف إطلاق النار. وعلاوة على ذلك، أصبحت الحرب تشكل مأزقًا ضارًا للقوى الإقليمية؛ فمصر والمملكة العربية السعودية، نظرًا لقربهما الجغرافي، تعتبران أن الحرب تهدد أمنهما القومي بشكل مباشر.
مفارقة جوهرية
على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة تتكبد تكلفة من خلال ارتباطها بمثل هذا الصراع الشديد الحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات العربية البينية بشأن السودان قد انتقلت إلى محافل أخرى، مثل جامعة الدول العربية، حتى أنها عرقلت مؤتمر لندن (https://www.crisisgroup.org/africa/sudan/london-conference-puts-paralysed-sudan-peace-efforts-display) بشأن السودان هذا العام، وهددت بتقويض الدبلوماسية الإقليمية في ملفات أخرى ملحة.
لكن تركيبة المجموعة الرباعية تنطوي على مفارقة جوهرية. فقد دعمت مصر بقوة القوات المسلحة السودانية، مما يعكس تفضيل القاهرة لما تعتبره حكومة شرعية، إلى جانب مخاوفها من عدم الاستقرار على طول حدودها الجنوبية.
وعلى العكس من ذلك، اتُهمت الإمارات العربية المتحدة باستمرار بدعم قوات الدعم السريع. وفي حين حاولت السعودية الحفاظ على الحياد، إلا أنها انحازت بشكل متزايد إلى القوات المسلحة السودانية التي تعتبرها الرياض مؤسسة الدولة الوحيدة المتبقية في السودان.
هذه الديناميكية، مع وجود الدول الرباعية على طرفي نقيض في الحرب، تخلق شكوكًا مشروعة حول التزامها الجماعي بعملية سلام محايدة وما إذا كان من المرجح أن يضمن التشكيل الحالي حلًا سريعًا يركز على الثروة وتقاسم السلطة، بدلًا من التوصل إلى اتفاق شامل.
وعلى الرغم من الضجة الدبلوماسية، تواجه اللجنة الرباعية رياحًا معاكسة فورية وهائلة. ففي غضون أسابيع من صدور البيان المشترك، يمكن القول إن الوضع في ساحة المعركة قد تفاقم، مع احتدام القتال على جبهات متعددة.
في البداية، رفض الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، خارطة الطريق التي وضعتها الرباعية، لكنه انتقل لاحقًا إلى القبول المشروط، بينما تواصل قوات الدعم السريع حملتها الدموية لتأمين الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
لا يزال الوضع الإنساني مزرياً، لا سيما في الفاشر، حيث لا يزال أكثر من 260,000 مدني بما في ذلك 130,000 طفل محاصرين بسبب حصار قوات الدعم السريع. تُظهر صور الأقمار الصناعية التي حللها مختبر البحوث الإنسانية التابع لجامعة ييل أن قوات الدعم السريع قد شيدت ساتراً ترابياً ضخماً يطوق المدينة، مما يخلق ما وصفه الباحثون بـ "صندوق قتل".
في الوقت نفسه، تجاوزت ديناميكيات الحرب الصراع الثنائي البسيط، وتحولت إلى صراع متعدد الأقطاب مع عشرات الجماعات المسلحة والميليشيات والجهات الفاعلة الإقليمية التي تسيطر على المشهد السوداني الممزق.
أصحاب المصلحة المهمشون
وما يضاعف من هذا الوضع هو قيام الأطراف المتحاربة ببناء هياكل حكم موازية. وقد أعلنت قوات الدعم السريع وتحالفها تحالف تاسيس عن تشكيل حكومة موازية هذا الصيف في دارفور، وهي خطوة أدانها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي صراحة و رفض الاعتراف بها.
على الجانب الآخر، قامت القوات المسلحة السودانية بتعيين رئيس وزراء جديد في بورتسودان. هذا التنافس في إدارة الدولة يحول مكاسب ساحة المعركة إلى مطالبات بالشرعية الإدارية والضرائب والسيطرة على الإيرادات، مما يجعل أي إعادة توحيد مستقبلي مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا.
هناك انتقاد كبير للمبادرة الرباعية يتعلق بتهميش أصحاب المصلحة الرئيسيين. فقد كان من المقرر عقد اجتماع في يوليو الماضي، والذي تم تأجيله في وقت لاحق بسبب التوترات بين مصر والإمارات العربية المتحدة، وقد استبعد بشكل خاص الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، وهي الكتلة الإقليمية المكلفة تاريخياً بالتوسط في النزاعات في شرق أفريقيا.
شاهد ايضاً: دعوة ترامب للعفو عن نتنياهو قوبلت بانتقادات
ويثير هذا الأمر تساؤلات حول جدوى أي اتفاق يتم التوصل إليه دون وساطة أفريقية قوية وملكية محلية تشمل أصحاب المصلحة السودانيين. كما أدى هذا النهج أيضًا إلى تهميش الجهات الفاعلة المدنية بشكل منهجي، بما في ذلك الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية.
وفي حين أن بعض هذه الجماعات مستقطبة، فإن أي عملية سلام تفشل في إشراك هذه القوى بشكل مركزي محكوم عليها بالفشل، إذ لم يسبق أن أنتج الجيش حكومة مستقرة في تاريخ السودان.
وقد وُصفت خطة المجموعة الرباعية بـ "تقويم السلام"، والتي تحوّل الخيارات السياسية المعقدة إلى معالم تقويمية، ولكنها تخاطر بهشاشة هيكلية إذا لم تتوافق المواعيد النهائية مع آليات قابلة للتنفيذ والإدماج الهادف.
شكلت زيارة البرهان للقاهرة هذا الشهر تحولاً دبلوماسياً ملحوظاً، حيث فسر العديد من المراقبين الزيارة على أنها أول التزام علني من القوات المسلحة السودانية تجاه الرباعية. ومع ذلك، فإن تصريحات البرهان قبل، وأيضًا بعد زيارة القاهرة مباشرة، ترسم صورة أكثر تعقيدًا.
ففي مدينة عطبرة، بعد أيام فقط من زيارته للقاهرة، تبنى البرهان موقفًا متصلبًا: وقال: "أي طرف، سواء الرباعية أو غيرها، يريد أن يتفاوض معنا على ما فيه مصلحة السودان والسودانيين، وينهي هذه الحرب بما يعيد للسودان كرامته ووحدته ويمنع أي احتمال لقيام تمرد آخر، فنحن مستعدون للتعاون معهم".
ومن خلال تأكيده على هذه الشروط، طمأن البرهان في الوقت نفسه الشبكات الإسلامية والموالية للجيش بأنه لن يتم تقديم أي تنازلات لقوات الدعم السريع أو القوى الأجنبية، حتى وهو يبدي مرونة دبلوماسية في الخارج.
نافذة ضيقة للسلام
تواجه الرباعية الآن عدة عقبات هائلة فشلت المبادرات السابقة في التغلب عليها. فلا يزال الطرفان المتحاربان متشبثين بالاعتقاد بأنهما قادران على تحقيق النصر العسكري. فقد استعاد الجيش مؤخرًا زخمه، واستعاد السيطرة على الخرطوم وأجزاء من كردفان، بينما تحتفظ قوات الدعم السريع بالسيطرة على معظم أنحاء دارفور وأعلنت حكومة موازية.
ويتمثل التحدي الأكثر إلحاحاً الذي تواجهه المجموعة الرباعية في عدم وجود التزام مباشر من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث لا يزال كلا الطرفين يسعى لتحقيق نصر عسكري.
ولتحقيق أي فرصة للنجاح، يجب على المجموعة الرباعية أن تتطور من تحالف ضيق لتقاسم السلطة إلى منصة شاملة حقًا. وهذا يعني دمج الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) رسميًا، وإشراك المجتمع المدني والجماعات النسائية المهمشة في مفاوضات النخبة، والضغط على جميع الداعمين الخارجيين لوقف تغذية اقتصاد الحرب.
وكما يشير أحد التحليلات، يجب على الرباعية تحويل التعهدات العلنية إلى آليات قابلة للتنفيذ: مراقبون محايدون بضمانات تشغيلية، وحظر مستقل للإمدادات الخارجية، والتزامات موثوقة للمساءلة. وبدون هذه الترجمة، فإن جولة أخرى من الدبلوماسية رفيعة المستوى ستترك السودان مدفونًا تحت اتفاقات تغطّي على النزاع بدلًا من حله.
إذا كانت هناك فرصة لإعلان هدنة مع الجهود الحثيثة التي تبذلها المجموعة الرباعية، فإن الخطوات التي تلي هذا الإعلان ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان السودان قادرًا على المضي قدمًا نحو سلام مستدام.
غير أنه من غير المرجح أن ترحب الفصائل الإسلامية بهذا الاحتمال. فدعمهم المعلن للجيش يبدو أنه ليس تأييدًا للمؤسسة العسكرية الشرعية في السودان، بقدر ما هو احتضان محسوب للحرب نفسها وهو صراع يعتبرونه طريقهم المتبقي لاستعادة السلطة.
وتمثل المجموعة الرباعية أهم مبادرة دبلوماسية بشأن السودان منذ أكثر من عام، حيث تجمع القوى الخارجية ذات النفوذ الأكبر على الأطراف المتحاربة. نجاحها أو فشلها سيحدد على الأرجح ما إذا كان السودان سينحدر أكثر إلى مزيد من التشرذم والمجاعة، أو يبدأ رحلة طويلة نحو التعافي.
ستكشف الأيام القادمة ما إذا كان بإمكان المجموعة الرباعية أن تترجم خارطة الطريق التي وضعتها في سبتمبر إلى تقدم ملموس على الأرض، أو ما إذا كانت ستصبح أحدث حلقة في التسلسل الزمني الطويل لمبادرات السلام الفاشلة في السودان.
لا يزال الطريق إلى السلام هشاً، ولكنه ليس مستحيلاً. في النهاية، لا يمكن للمجموعة الرباعية أن تفتح الباب فقط؛ فالسودانيون هم من يجب أن يختاروا السير عبره معًا.
أخبار ذات صلة

تشديد الحصار على المدن بعد هجمات القدس: القوات الإسرائيلية تشن غارات في الضفة الغربية

كان مخطط ماكرون للاعتراف بدولة فلسطينية محكومًا عليه بالفشل منذ البداية

يجب أن ينتهي فشل المملكة المتحدة في فرض حظر على التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية
