زيارة ولي العهد السعودي تعيد تشكيل العلاقات مع أمريكا
وصل ولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض في زيارة تاريخية، حيث يسعى لتعزيز الشراكة مع أمريكا من خلال صفقات دفاعية وتجارية ضخمة. اكتشف كيف تؤثر هذه الزيارة على العلاقات الإقليمية وأهداف السعودية الطموحة في العصر الحديث.

وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض يوم الثلاثاء، في أول زيارة له إلى الولايات المتحدة منذ سبع سنوات.
وشمل استقبال الزعيم السعودي البالغ من العمر 40 عاماً حرس ألوان كامل وفرقة موسيقية وطائرة مقاتلة وقرع الطبول، مما يعطي تلميحاً مبكراً للأبهة والبريق المتوقعين للزيارة.
كما اصطحب ترامب ولي العهد في جولة متلفزة عبر "ممشى المشاهير الرئاسي" الجديد حيث تجاذب أطراف الحديث مع الزعيم السعودي أثناء تجولهما في صور الرؤساء الأمريكيين السابقين.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يحظَ باستقبال حرس الشرف عندما زار البيت الأبيض آخر مرة. كما اختار ترامب في بعض الأحيان عدم استقبال قادة دول الاتحاد الأوروبي.
وتتوج هذه الزيارة تحولاً ملحوظاً في علاقات ولي العهد السعودي بواشنطن منذ أن قضت الاستخبارات الأمريكية بأنه أمر بقتل الكاتب الصحفي في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في عام 2018.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد تجاهل ولي العهد في الأيام الأولى لإدارته، لكنه تحول بعد ذلك بقوة إلى التودد إليه في الوقت الذي سعى فيه إلى ترويض أسعار الطاقة المرتفعة وتجاوز الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقال محللون سعوديون ودبلوماسيون غربيون وعرب إن هدف المملكة الشامل هو إعادة تشكيل الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية التي تعود إلى 70 عاماً لتصبح شراكة متكافئة. ويعكس ذلك، في جزء منه، تغير موازين القوى العالمية.
وكشفت مصادر أن ولي العهد السعودي سيضغط على ترامب للتدخل ضد الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع في الحرب الأهلية السودانية. وأكدت مصادر أخرى الخبر في وقت لاحق. كما يصل محمد بن سلمان بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على تفويض لخطة أمريكية لإرسال قوات حفظ سلام عربية وإسلامية إلى غزة.
لكن المحور الرئيسي للزيارة هو الصفقات التجارية التي يريدها المسؤولون السعوديون لدفع عجلة التحول الاقتصادي الداخلي لبلادهم والتحول إلى قوة إقليمية كاملة.
قائمة الأمنيات
ألمح ترامب إلى ما يمكن أن يتوقعه المراقبون يوم الاثنين، عندما قال إنه يعتزم بيع مقاتلات إف-35، وهي أكثر مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية تطوراً إلى المملكة العربية السعودية. وكانت المحادثات بشأن شراء السعودية لطائرات إف-35 مستمرة منذ سنوات، لكنها كانت مرتبطة بتطبيع الرياض لعلاقاتها مع إسرائيل.
ويبدو أن المملكة قد فصلت فعلياً قائمة أمنياتها الثنائية عن التطبيع الإسرائيلي.
وفي الجانب الدفاعي من الصفقات، يقول خبراء سعوديون إن أكثر ما تريده المملكة هو التعاون مع الولايات المتحدة لتطوير صناعتها الخاصة، وهي خطوة تتقدم فيها قوى إقليمية أخرى مثل تركيا. على سبيل المثال، تتطلع السعودية أيضاً إلى صفقة طائرات بدون طيار مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بحسب ما قاله أشخاص مطلعون على المحادثات.
وقال هشام الغنام، وهو محلل دفاعي سعودي في الرياض، في وقت سابق، إن الرياض تريد في قطاع الدفاع "توطين المحتوى"، مضيفاً أنه بدون مساعدة الولايات المتحدة، لا يمكن لشركة تصنيع الأسلحة السعودية المملوكة للدولة، الشركة السعودية للصناعات العسكرية، أن تصبح لاعباً "جاداً" في هذه الصناعة.
كشفت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة عن تعهدات استثمارية بقيمة 600 مليار دولار عندما زار ترامب الرياض في مايو. وتعد صفقة بيع طائرات F-35 واحدة من بين العديد من الصفقات التي يقول الخبراء إنه من المتوقع أن يتم ترسيخها في اليومين المقبلين. وسيستضيف ترامب وولي العهد منتدى استثماري يوم الأربعاء.
وتروج المملكة العربية السعودية لنفسها كمركز لصناعة الذكاء الاصطناعي. وبفضل احتياطاتها الهائلة من الوقود الأحفوري والطاقة الشمسية، تعد المملكة مشغلي مراكز البيانات بأسعار كهرباء مخفضة.
وقد قادت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي مثل إنفيديا سوق الأسهم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ولكن كانت هناك تذبذبات في السوق. فالمملكة العربية السعودية هي واحدة من اقتصادات مجموعة العشرين الوحيدة التي يمكنها تقديم طلبات ضخمة لشراء رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة نظرًا لامتلاك المملكة صندوق ثروة سيادي بقيمة تريليون دولار.
ومع ذلك، يقول الخبراء إن الأيام التي كانت فيها المملكة العربية السعودية تنفق الأموال ببساطة قد ولّت منذ فترة طويلة. فقد تضررت خزائن المملكة بسبب أسعار الطاقة الفاترة والمشاريع الضخمة مثل مشروع نيوم الذي أرهق ميزانيتها.
وقد قلصت المملكة العربية السعودية من مشاريعها الضخمة مثل مدينة "ذا لاين" وتراجعت عن بناء منتجع تزلج جبلي مستقبلي للألعاب الشتوية لعام 2029.
يقول دبلوماسيون ومطلعون في صناعة الدفاع ومحللون إن السعودية لا تزال مستعدة للإنفاق، لكنها تريد أفضل تكنولوجيا أمريكية متاحة. وقد أزعجت هذه المطالب الأصوات المؤيدة لإسرائيل، التي أرادت استخدام التكنولوجيا الأمريكية كوسيلة ضغط لحمل الرياض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كما أثار استعداد ترامب لبيع التكنولوجيا الأمريكية الأكثر تقدماً للسعودية استياء المتشددين الصينيين، الذين يشعرون بالقلق من علاقات الرياض ببكين. الصين هي أكبر مشترٍ للنفط السعودي.
وبالإضافة إلى رقائق الذكاء الاصطناعي، تريد السعودية الحصول على التكنولوجيا النووية المدنية الأمريكية.
كل شيء في العائلة
ضغط ولي العهد ومستشاروه من أجل إبرام صفقة تسمح لهم بتخصيب اليورانيوم، الذي يقولون إن المملكة تمتلك احتياطيات هائلة منه، وهو مطلب أثار قلق أعضاء الحكومة الأمريكية.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في بداية العام: "سنقوم بتخصيبه وسنبيعه وسنقوم بعمل "الكعكة الصفراء"، في إشارة إلى خطوة في العملية تأتي بعد التعدين، ولكن قبل التخصيب.
قال برنارد هيكل، الأستاذ في جامعة برينستون، في فعالية معهد دول الخليج العربي قبل زيارة ولي العهد، إن الرياض قد تؤجل المناقشات حول التخصيب، ولكنها ستبحث عن مقايضة تشمل تمركز الأسلحة النووية الأمريكية في البلاد كجزء من اتفاقية دفاعية.
وقال هيكل: "أظن أنهم سيتخلون في الوقت الراهن عن التخصيب والمعالجة، لكنهم سيرغبون في الحصول على مظلة حماية نووية من الولايات المتحدة." "وهو ما قد يتضمن نشر أنظمة أسلحة نووية أمريكية على الأراضي السعودية."
وكان ترامب قد وقع على أمر تنفيذي يضمن أمن قطر بعد أن هاجمت إسرائيل مفاوضي حماس في الدوحة في سبتمبر/أيلول. وقد أثار الضوء الأخضر الأمريكي لتلك الضربة قلق الخليجيين.
وكانت السعودية متشككة بالفعل في صدق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها بعد أن تعرضت منشآت أرامكو النفطية التابعة لها لهجوم إيراني في عام 2019. رفضت إدارة ترامب الأولى الانتقام من طهران أو حلفائها، الحوثيين، الذين كانت السعودية تقاتلهم في ذلك الوقت.
ومثل دول الخليج الأخرى، توددت المملكة العربية السعودية إلى عائلة ترامب بعد مغادرته منصبه. واستثمرت المملكة، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة وقطر، في صندوق "أفينيتي بارتنرز"، وهو صندوق استثماري يملكه صهر ترامب، جاريد كوشنر.
وقد قامت منظمة ترامب، التي يديرها نجلا ترامب، إريك ودونالد الابن، بصفقات عقارية خاطفة في جميع أنحاء الخليج. وقد برزت شركة دار جلوبال السعودية كأهم شريك خارجي لمنظمة ترامب في الخارج.
افتتحت دار جلوبال أول مكتب لها في الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام في برج ترامب في مدينة نيويورك. شركة دار جلوبال هي شركة تابعة لشركة دار الأركان السعودية المترامية الأطراف للتطوير العقاري، والتي تربطها علاقات وثيقة بالحكومة السعودية.
شاهد ايضاً: المسؤولون المعينون من روسيا في القرم يعلنون حالة الطوارئ بعد وصول تسرب النفط إلى سيفاستوبول
ويوم الاثنين، أعلنت دار جلوبال عن مشروع جديد مع عائلة ترامب في جزر المالديف. وفي الوقت نفسه، قالت إحدى أكبر شركات التطوير العقاري المملوكة للحكومة السعودية، وهي شركة الدرعية للتطوير العقاري، إنها قد تكشف عن صفقة قريباً.
أخبار ذات صلة

ألمانيا وفرنسا وبولندا تدين استخدام القوة ضد المحتجين في جورجيا

لوحات سلوفاكية شعبية من صربيا تنضم إلى قائمة التراث الثقافي لليونسكو

زيلينسكي: على الحلفاء التحرك قبل وصول القوات الكورية الشمالية إلى خط المواجهة
