إسرائيل تتجه نحو حرب دائمة تحت قيادة نتنياهو

في الوقت الذي اجتمع فيه رؤساء الدول في الدوحة هذا الأسبوع في قمة طارئة عربية وإسلامية لمناقشة الرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف كبار مفاوضي حماس، صعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلقاء خطاب في مؤتمر اقتصادي في القدس، حيث أوضح أن إسرائيل تتجه نحو حرب دائمة.

في خطاب "سوبر سبارتا"، أراد نتنياهو أن يبعث برسالة إلى العالم العربي والإسلامي مفادها أنه على الرغم من الإدانات والتصريحات حول كبح جماح تل أبيب ومنع طرد الفلسطينيين من غزة، فإن إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية هناك وبمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وستمضي قدمًا في خطة التطهير العرقي التي تنتهجها بغض النظر عن التكاليف الدبلوماسية والاقتصادية.

وبعد ذلك بدأ الجيش الإسرائيلي بين عشية وضحاها هجومه البري في مدينة غزة، بعد موجات من الضربات المكثفة.

وعلى غير العادة، تحدث نتنياهو بصراحة عن وضع إسرائيل، معترفًا بأن هناك مقاطعة من الدول الأوروبية الغربية لإسرائيل في مجالات الثقافة والرياضة والأوساط الأكاديمية وغيرها من المجالات.

وقد عزا هذه التطورات إلى هجرة العرب والمسلمين إلى الدول الأوروبية، مشيراً إلى أن هذه الجاليات كان لها تأثير غير مبرر على عمليات صنع القرار. وكان ذلك محاولةً لترديد خطاب اليمين الشعبوي الأوروبي المعادي للمهاجرين، ورفضًا لجهود التضامن الدولي الأوسع نطاقًا الرامية إلى إنهاء الإبادة الجماعية في غزة.

كما اتهم نتنياهو قطر والصين بنشر الدعاية ضد إسرائيل، كما لو كانت جميع تقارير الأمم المتحدة حول الجرائم الإسرائيلية والإبادة الجماعية في غزة لا أساس لها من الصحة وهو تفسير أورويلي حقيقي للواقع.

والأهم من ذلك، قال إن إسرائيل بحاجة إلى أن تصبح "سوبر سبارتا" من خلال تطوير صناعة عسكرية ضخمة. وجادل بأن إسرائيل يجب أن تنتج أسلحتها الخاصة بها لتجنب الاعتماد على الدول الأجنبية، وبالتالي الانتقال من اقتصاد السوق الحرة إلى اقتصاد استبدادي مغلق. وقال إن هذا سيتطلب تخفيضات كبيرة في البيروقراطية والإنفاق العام.

مزيد من السلطة، رقابة أقل

لم تكن هذه التصريحات موجهة فقط إلى الدول العربية والإسلامية، بل كانت موجهة أيضًا إلى الداخل، إلى المجتمع الإسرائيلي نفسه.

ففي السنوات القادمة، تستعد إسرائيل لأن تصبح دولة منبوذة معزولة متورطة في حروب لا نهاية لها، في الوقت الذي تطالب فيه إسرائيل بأن ينضم اقتصادها بأكمله إلى المجهود الحربي وتزيل كل القيود على تصرفات رئيس الوزراء.

جاءت تصريحات نتنياهو بعد أيام فقط من نشر تقرير مؤقت للجنة التحقيق الحكومية في ما يسمى بـ قضية الغواصات، والذي أوضح كيف أخفى رئيس الوزراء عن مسؤولي الدفاع بيع الغواصات من ألمانيا إلى مصر وهي واحدة من أخطر الفضائح الأمنية في البلاد.

في الواقع الذي يصفه نتنياهو، فهو يجمع لنفسه مزيدًا من السلطة مع رقابة أقل؛ مستغلًا الحرب للحفاظ على منصبه، في مواجهة اتهامات جنائية.

كل هذا يحدث في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي قصفه الذي لا هوادة فيه لمدينة غزة، ويتقدم نحو احتلال بالجملة وإجبار مليوني فلسطيني على العيش في مساحات أصغر وغير صالحة للسكن أكثر من أي وقت مضى.

إن محاولة اغتيال قادة حماس في قطر لم تكن مجرد محاولة لضرب فريق المفاوضات، بل كانت محاولة لضرب فكرة المفاوضات نفسها. لقد كان قرار نتنياهو بقصف دولة تستضيف أطرافًا مفاوضة في زمن الحرب أمرًا غير مسبوق عالميًا.

فعلى الرغم من محاربة طالبان في أفغانستان، فإن الولايات المتحدة أيضًا تفاوضت معهم في قطر. وحتى في خضم الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أجرى الجانبان محادثات في تركيا هذه عادة متبعة منذ قرون ويبدو أن إسرائيل وحدها هي التي ترغب في كسرها.

وفي حين يتم تصوير إسرائيل في كثير من الأحيان على أنها طرف غير عقلاني، فإن تصريحات الحكومة الإسرائيلية لا تأتي من فراغ. بل هي مرتبطة برفض الدول العربية رسم خطوط حمراء، وبمعرفة إسرائيل أن الدعم الأمريكي غير المشروط يسمح لها بالعمل بحرية في الشرق الأوسط.

والأدهى من ذلك ردود فعل المعلقين الإسرائيليين. فبعد هجوم الدوحة، ركزت معظم النقاشات العامة على النجاح أو الفشل النسبي لمحاولة الاغتيال، بينما تجاهلت جنون قرار قصف قطر، حيث أيد الرأي العام الإسرائيلي هذه الخطوة.

القبول العام

وبالتالي فإن اعتراف نتنياهو بأن إسرائيل في طريقها لأن تصبح "سوبر سبارتا" يأتي من معرفته بأن غالبية الجمهور على استعداد لقبول هذه الخطوة، على الرغم من المشاكل الاجتماعية والنفسية المتزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي خاصة بين الجنود وعدم الرغبة المتزايدة لدى الكثير منهم في مواصلة القتال.

وفي نفس يوم خطاب "سوبر سبارتا" والقمة العربية، طمأنت وسائل الإعلام الإسرائيلية المواطنين بأن الأصداء والانفجارات التي يسمعونها ما هي إلا أصوات العمليات العسكرية في غزة.

وعلى الرغم من دعوة القادة العرب والمسلمين في قمة الدوحة إلى العودة إلى طريق السلام، إلا أن إسرائيل قررت بوضوح أنها غير معنية بذلك، حيث تعمل على فرض واقع جديد في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، كانت هذه القمة مهمة بسبب موقعها والقوة المحتملة لهذه الدول لا سيما في ظل تراجع "محور المقاومة" وضعف إيران. فقد كشفت عن المخاوف الحقيقية للدول العربية، وخاصة دول الخليج، التي قد تضطر إلى اتخاذ خطوات للحفاظ على مصالح أمنها القومي.

يتكشف أمام أعيننا سيناريو تفرض فيه إسرائيل على الدول العربية قبول اللاجئين الفلسطينيين رغمًا عنهم، بينما تقوم بضم الضفة الغربية وغزة. وحتى التهديدات والتدابير التي تطلقها الدول الأوروبية سواء من خلال حظر الأسلحة، أو تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية، أو وقف الصفقات التجارية تبدو أدوات غير فعالة لثني إسرائيل عن احتلال غزة بعد طرد سكانها.

إن إسرائيل ماضية بكل ما في وسعها، ونتنياهو متغطرس ومصاب بجنون العظمة بما يكفي للاعتقاد بأنه قادر على تحقيق رؤيته. ولكن الطريق إلى الأمام سيفرض تكاليف باهظة جدًا على الدول العربية التي يجب أن تدرك الآن أن إسرائيل لم تعد خطرًا على الشعب الفلسطيني فحسب، بل أصبحت خطرًا على كل نظام عربي غير راغب في الخضوع لمصالحها.

والخيار الآن يقع على عاتقهم: هل سيتخذون خطوات جادة لوقف ذلك؟