أطفال غزة تحت وطأة الجوع والأمراض القاتلة
تواجه غزّة أزمة إنسانية خانقة، حيث تعاني الأمهات والأطفال من سوء التغذية ونقص حليب الأطفال. قصة غندورة، المولودة قبل الأوان، تسلط الضوء على معاناة العائلات في ظل الحصار. الوضع كارثي، فهل من أمل؟

تنظر غدير القبطان إلى طفلتها التي كانت في العناية المركزة خلال الأيام الثلاثة الماضية، ويفصل بينهما زجاج الحاضنة.
تمد قبطان يدها من خلال فتحة الحاضنة وتلمس بلطف رأس ابنتها الصغير الذي يتسع في كفها.
وُلدت غندورة إبراهيم الفراع قبل الأوان في أقل من ثمانية أشهر من الحمل وتعاني - إلى جانب والدتها وغيرها من الأطفال في غزة - من سوء التغذية.
شاهد ايضاً: الإيرانيون يكافحون للفرار من طهران وسط الضربات الإسرائيلية، والزحام المروري، ونقص الوقود
وتقول إن ولادتها المبكرة كانت حتمية بسبب نقص العناصر الغذائية المتعددة الناجم عن الجوع، بما في ذلك نقص الكالسيوم.
تقول: "لا يوجد حليب أو أي شيء من شأنه أن يساعد ابنتي على التمتع بصحة جيدة، أو حتى أنا".
منذ أكثر من ثمانية أشهر، يفرض الجيش الإسرائيلي حصارًا مشددًا على قطاع غزة، مما يحد بشدة من تدفق المواد الغذائية والطبية الأساسية المنقذة للحياة إلى الأراضي الفلسطينية.
يقول الدكتور أسعد نواجحة، أخصائي طب الأطفال في مجمع ناصر الطبي في خان يونس، أن الحرب زادت من عدد الأطفال المولودين قبل الأوان، مع ارتفاع كبير في عدد الأطفال المولودين بعيوب خلقية.
ويقول نواجحة: "كل هذا يعود إلى الظروف القاسية التي تعاني منها الأمهات في ظل هذه الحرب الشرسة على قطاع غزة".
وفي حديثه عن الرضاعة الطبيعية، يقول أخصائي طب الأطفال أنه في الوقت الذي يتم فيه تشجيع الأمهات على إرضاع أطفالهن بشكل طبيعي، تواجه الأمهات أنفسهن مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك سوء التغذية، الذي يمنعهن من إرضاع أطفالهن.
وأضاف نواجحة: "وبسبب نقص المواد المغذية التي تدخل إلى قطاع غزة، تتعرض الأمهات والأطفال على حد سواء للأمراض الناتجة عن سوء التغذية".
يقول الدكتور ياسر أبو غالي، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر، أن معظم الأطفال الخدج كانوا بحاجة إلى عناية فورية بعد الولادة.
ويضيف قائلاً: "معظم الأطفال الخدج يتم إحضارهم إلى قسم الحاضنات من المستشفى، ونحن نحاول قدر الإمكان رعاية هؤلاء الأطفال لأنهم مرضى في المستشفى".
ويوضح أبو غالي أن مخزون حليب الأطفال المودعين في العناية المركزة يكاد ينفد، ولا يتوفر أي حليب للأطفال الذين لا يتلقون العلاج المباشر.
ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فإن المرافق الصحية القليلة المتبقية العاملة في القطاع المحاصر تتعرض لتهديد شديد بسبب نقص الإمدادات الطبية واستمرار أوامر الطرد القسري والقصف المستمر.
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول، سلط جيمس إيلدر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، الضوء على النقص الحاد الذي تواجهه المستشفيات في غزة والظروف الصعبة للغاية التي تعمل في ظلها الطواقم الطبية.
وحذّر المتحدث باسم اليونيسف من أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد هم الأكثر عرضة للخطر بشكل خاص، حيث "احتمال وفاتهم لأسباب بسيطة يبلغ 10 أضعاف". وأضاف أن الوصول إلى المستشفيات في غزة لم يعد آمناً للأطفال المرضى أو الذين يعانون من سوء التغذية.
الحصار الإسرائيلي وارتفاع الأسعار
معبرةً عن إحباطها من نقص الإمدادات للأطفال الضعفاء في غزة، تقول القبطان إنها تحاول ألا تدع الوضع يتغلب عليها.
وتضيف: "أخبرني الأطباء ألا أعلق آمالًا كبيرة، لا يوجد شيء مغذٍّ، لا يوجد شيء، الفتاة مريضة جدًا. أدعو الله أن تُنهي علاجها وأن تبقى بصحة جيدة".
وتضيف القبطان أنها حتى لو تمكنت من العثور على علبة حليب أطفال، فإن ثمنها سيصل إلى 300 شيكل (88 دولارًا).
وتقول: "لقد حاولت البحث، ولكن لم يتبقى شيء".
ووفقًا لأبو غالي: "يعاني الأطفال داخل قطاع غزة، بما في ذلك الأطفال الأصحاء، من نقص شديد في حليب الأطفال. لقد نفد من مخزون القطاع الخاص والعام على حد سواء".
ويشير إلى أنه حتى حليب الأبقار غير متوفر بكميات مناسبة، حيث يصل سعره في المتاجر إلى 200 شيكل (59 دولارًا).
ويضيف: "بصراحة، الوضع كارثي. كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
على مدار عامين تقريبًا، إلى جانب القصف المتواصل والاستهداف المتعمد للمستشفيات، استخدم الجيش الإسرائيلي تجويع السكان كسلاح حرب، وفقًا لمحققي الأمم المتحدة المستقلين.
وقد بلغت الأزمة ذروتها في شهر مارس/آذار، حيث استشهد عشرات الأطفال بسبب سوء التغذية وأُجبر السكان على أكل العشب.
وتحت ضغوط دولية متزايدة، سمحت إسرائيل "بشكل طفيف" وصول الغذاء إلى بعض المناطق بعد أن قتلت قواتها العديد من عمال الإغاثة الأجانب، وحذر تقرير مدعوم من الأمم المتحدة من أن المجاعة باتت وشيكة.
ولكن الآن، تقوم السلطات الإسرائيلية مرة أخرى بتقييد وصول المواد الغذائية المنقذة للحياة.
ويقتل برنامج توزيع الأغذية الذي تديره الولايات المتحدة وإسرائيل عشرات الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدات كل يوم. تتجمع الحشود عند نقاط توزيع المساعدات ليُطلق النار عليهم من قبل الجنود الإسرائيليين والمرتزقة الذين تم توظيفهم لتأمين الموظفين هناك.
وخلافاً للنظام الذي تديره الأمم المتحدة والذي صُمم ليحل محلها، فإن مؤسسة غزة الإنسانية التي تديرها الولايات المتحدة تنسق عملياتها بشكل وثيق مع الحكومة الإسرائيلية.
اليأس
دعا أبو غالي المنظمات الدولية والجماعات الحقوقية للمساعدة في تأمين الحليب الصناعي عبر توزيع المساعدات وإيصالها.
شاهد ايضاً: حصري: السلطة الفلسطينية تخبر الولايات المتحدة بأنها مستعدة لـ "الصدام" مع حماس للسيطرة على غزة
ومع ذلك، لم تتم تلبية هذه المطالب.
يقول أبو غالي: "رسالتنا واضحة. نحن نناشد منذ أشهر... هناك مجاعة تحدث بين الأمهات... على أقل تقدير، يجب أن يكون حليب الأطفال متوفرًا في المخازن. لم أعد متأكدة أين تكمن الإنسانية بعد الآن".
ويضيف: "رسالتنا هي على الأقل أن يتم فتح الممرات وجلب حليب الأطفال، يجب أن يكون هناك حس حضاري وإنساني على أقل تقدير".
تعبر غدير القبطان المحبطة عن مخاوفها مما قد يخبئه المستقبل.
تقول: "ماذا عساي أن أقول عندما أرى ابنتي أمامي ولا أستطيع شم رائحتها أو حملها بين ذراعيّ، كيف تعتقدون أنني سأشعر؟"
وتضيف: "بعد كل الألم والمعاناة التي تحملناها، في النهاية، لا يمكننا حتى أن نختبر فرحة التواجد مع أطفالنا".
"كل ما نريده هو أن تتم مساعدة الأطفال... لا ذنب لهم في هذه الحرب أو أي شيء آخر". وفقاً لـ القبطان.
أخبار ذات صلة

المملكة المتحدة لن تنشر لقطات طائرة التجسس المتعلقة بقتل عامل الإغاثة البريطاني في غزة

قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل الصحفية الفلسطينية لطيفة عبد اللطيف من القدس

أربعة فلسطينيين أستشهدوا خلال استجوابات الشاباك منذ 7 أكتوبر
