مأساة أطفال غزة تحت القصف والتهجير
في غزة، يتعرض الأطفال لأبشع الأزمات، حيث يفتقرون للرعاية الصحية الأساسية وسط الهجمات العسكرية. أطباء يواجهون الموت يومياً، لكنهم يصرون على البقاء مع مرضاهم. قصة إنسانية مؤلمة تعكس واقعاً مريراً.

بعد أن أمضيت أكثر من 25 عاماً في رعاية الأطفال، اخترت طب الأطفال لأن الأطفال هم مستقبلنا. فهم يستحقون أفضل الخدمات الصحية وأقصى درجات الرعاية منا جميعاً.
ولكن اليوم، ومن المستشفى الذي أعمل فيه في مدينة غزة، أشعر أن هذا المستقبل أصبح بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
فنحن نشهد في مدينة غزة واحدة من أسوأ الهجمات العسكرية التي شهدناها على الإطلاق. حيث يتم تسوية مبانٍ سكنية شاهقة بأكملها بالأرض بفعل الغارات الجوية العسكرية الإسرائيلية. وتعني أوامر التهجير القسري المستمرة أن آلاف المدنيين مضطرون للفرار من منازلهم مرة أخرى.
هذا أمر كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. نحن منهكون، والجميع قد تجاوزوا نقطة الانهيار. لا أعرف حتى ما إذا كنت سأبقى على قيد الحياة غدًا.
تتفاقم هذه المعاناة بسبب حملة التجويع المتعمدة التي يفرضها الجيش الإسرائيلي، إلى جانب النقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية الضرورية التي نحتاجها لمواجهة هذه الإبادة الجماعية التي لا تنتهي على ما يبدو.
أنا أقود وحدتي العناية المركزة للأطفال وحديثي الولادة في مستشفى جمعية أصدقاء المرضى الخيرية في مدينة غزة، وكلاهما تم تأسيسهما ودعمهما بالشراكة مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين.
لديّ حالياً 19 مريضاً، من بينهم ثلاثة أطفال في العناية المركزة للأطفال، و10 أطفال حديثي الولادة في العناية المركزة لحديثي الولادة ومستويات أخرى من العناية بحديثي الولادة. جميعهم تقريباً في حالة حرجة، وهم ضحايا الهجمات العسكرية الإسرائيلية. لقد فقدوا أطرافهم أو اخترقت الشظايا أعضاءهم أو سحقهم سقوط المباني.
لا يوجد مأوى آمن
في إحدى المرات، تعرض منزل عائلة بأكمله للقصف. تم انتشال الأم الحامل في شهرها الثامن من تحت الأنقاض. وخضعت لعملية قيصرية طارئة. أُدخلت الطفلة إلى وحدة العناية المركزة لدينا، حيث مكثت لمدة ثلاثة أسابيع بسبب النوبات المتكررة الناجمة عن حرمان الدماغ من الأكسجين. وهذا أمر نراه يومياً تقريباً.
يصل الأطفال إلى المستشفى وهم يعانون من سوء التغذية ونقص الوزن. ليس لدى أمهاتهم مأوى آمن ولا ماء نظيف ولا طعام. وهم مجبرون على تحمل القصف المستمر والنزوح والخوف. ونرى نسبة عالية جداً من الولادات المبكرة نتيجة لهذا الضغط النفسي.
إن الحصار الإسرائيلي الخانق يعني أن مستشفانا يفتقر إلى حاضنات الأطفال حديثي الولادة، وأسرة العناية المركزة للأطفال، وأجهزة التنفس الصناعي، وحتى الأدوية الأساسية وحليب الأطفال. ليس لدينا إمدادات أوكسجين مركزية، ونعتمد كليًا على عدد متناقص من أسطوانات الأكسجين.
لقد مات الأطفال هنا ببساطة لأننا لا نملك الإمدادات اللازمة لإبقائهم على قيد الحياة، مهما حاولنا.
ومع اجتياح مدينة غزة وإجبار الناس على الفرار من منازلهم، فإن العواقب على المستشفيات وعلى مرضاي قد تكون كارثية للغاية. أخشى كل يوم أن يتلقى مستشفانا أمر تهجير قسري من الجيش الإسرائيلي.
لكن إجلاء الأطفال المرضى الذين يتلقون رعايتنا سيكون شبه مستحيل. ومن شبه المؤكد أن نقلهم دون معدات متخصصة وإجراءات طبية دقيقة سيعني موتهم.
كأطباء وممرضين، سنبقى صامدين حتى اللحظة الأخيرة، ولن نتخلى عن مرضانا. سنبقى إلى جانبهم حتى النهاية.
هذا على الرغم من القتل غير المسبوق والغياب التام للإنسانية في ظل الإبادة الجماعية في غزة. لقد استشهد أكثر من 1,700 من العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أي بمعدل أكثر من اثنين من زملائي كل يوم.
الاستهداف المتعمد
على الرغم من أننا نتمتع بالحماية بموجب القانون الدولي، إلا أننا لا نستثنى من الاستهداف، بل وغالباً ما يتم استهدافنا عمداً من قبل الجيش الإسرائيلي.
والتجربة المروعة التي تعرض لها زملاؤنا العام الماضي في مستشفى الشفاء مثال واضح على ذلك. فعندما اقتحم الجيش الإسرائيلي المستشفى، تم إعدام عدد من الأطباء والممرضين والمرضى ودفنهم بالجرافات في أرض المستشفى.
جرائم الحرب هذه مخزية للإنسانية. هل سيكون هذا مصيري ومصير زملائي الآخرين أيضاً، لمجرد قيامنا بعملنا وعدم التخلي عن مرضانا؟
شاهد ايضاً: المستوطنون الإسرائيليون يواصلون الاقتحامات في الضفة الغربية المحتلة رغم الهجمات الإيرانية
أنا لست مجرد طبيب. أنا فلسطيني عادي أعيش هذه المأساة، أتعرض لهجوم مستمر. أمضي كل يوم دون أي وسيلة أساسية للبقاء على قيد الحياة، وبخوف كبير على عائلتي، زوجتي وأطفالي وأمي، الذين أتركهم خلفي في كل مرة أذهب فيها إلى العمل، وأنا أعلم أنني قد لا أراهم مرة أخرى.
يحتاج حوالي ثمانية أطفال في المستشفى حاليًا إلى دعم طبي ومعدات طبية للبقاء على قيد الحياة. يجب ألا يُتركوا ليموتوا. يجب حماية جميع أطفالنا ورعايتهم.
هذا هو الحق الأساسي للطفولة: الحق في تلقي الرعاية الطبية حتى في أسوأ الظروف. لا يمكنني أن أتخيل ترك طفل مريض يواجه الموت بمفرده. إن القيام بذلك سيكون جريمة ضد الإنسانية وضد الطفولة نفسها.
نحن، الشعب الفلسطيني، نحب الحياة. نحن بشر مثلكم تماماً. لدينا مستقبل وأطفال وأحلام وتطلعات نريد تحقيقها. أرجوكم، أوقفوا هذه الإبادة الجماعية. كفى حرباً. كفى دمارًا. ساعدونا لنعيش.
أخبار ذات صلة

إسرائيل تصف 4500 مدني محتجز في غزة بأنهم "مقاتلون غير قانونيين"، تقرير يكشف

بنيامين نتنياهو يقول إنه يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن

تحدث الإبادة الجماعية عندما يعتقد الإسرائيليون أنهم فوق القانون، كما يقول عالم الهولوكوست
