مصر تتحول إلى الصكوك لتخفيف الديون المتزايدة
في خطوة مثيرة للجدل، وافق السيسي على تخصيص أراضٍ في البحر الأحمر لإصدار صكوك سيادية، مما يثير مخاوف من بيع الأصول الوطنية. كيف ستؤثر هذه الخطوة على الاقتصاد المصري والدين الخارجي المتزايد؟ اكتشف المزيد.

في خطوة أثارت صدمة في مصر، وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي على تحويل مساحة شاسعة من الأراضي الساحلية في محافظة البحر الأحمر لإصدار صكوك سيادية (https://www.treasurers.org/hub/treasurer-magazine/what-are-sukuk-and-how-do-they-work) (سندات إسلامية) في محاولة لتخفيف ديون البلاد المتزايدة.
لم يسبق قرار تخصيص مساحة 174 كم مربع من الأراضي في منطقة رأس شقير الغنية بالنفط لوزارة المالية لاستخدامها صكوك مناقشات برلمانية علنية أو مناقشات داخل المجتمع المدني.
كما لم يقدم المرسوم الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 10 يونيو مزيدًا من التفاصيل. فقد اكتفى الإعلان بتفصيل إحداثيات أجزاء الأرض فقط.
الصكوك هي شهادات مالية إسلامية شبيهة بالسندات، ولكنها مهيكلة لتتوافق مع الشريعة الإسلامية من خلال تضمينها ملكية مشتركة في أصول ملموسة أو مشاريع استثمارية بدلاً من الديون القائمة على الفائدة.
ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تكثف فيه مصر بحثها عن وسائل تمويل بديلة لتخفيف الضغط على الاحتياطيات الأجنبية واحتواء تصاعد الدين الخارجي في ظل أزمة اقتصادية صعبة عصفت بالبلاد خلال السنوات الماضية.
وقد سارع منتقدو النظام إلى إدانة دعوة السيسي، معتبرينها جزءًا من عملية بيع أصول الدولة ومحاولة لجذب المستثمرين الخليجيين من خلال صفقات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
في العام الماضي، وقّعت مصر صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع صندوق أبو ظبي السيادي "ADQ" لتطوير مشروع رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وقد وفرت الاتفاقية ضخاً للعملة الصعبة وخففت الضغط مؤقتاً على الجنيه المصري.
وعلى الرغم من الاختلافات الفنية بين الترتيبين إلا أن الاقتصاديين يعتقدون أن الحكومة تحاول تكرار هذا النموذج: استخدام أصول الأراضي لتوليد السيولة.
وقال المحلل المالي أحمد عبد الظاهر: "تعكس هذه الخطوة سياسة حكومية أوسع نطاقاً لتحويل الأصول المملوكة للحكومة إلى سيولة نقدية لتمويل إصدارات الديون أو الوفاء بالالتزامات المالية الجارية".
"في هذه الحالة، يتم الاستفادة من الأراضي وهي أصول غير سائلة تقليديًا لتوليد إيرادات فورية. وبهذه الطريقة، ترتبط العوائد بالتطوير المتوقع للأرض أو الدخل الإيجاري للأرض."
يبلغ الدين الخارجي لمصر حوالي 155 مليار دولار أمريكي. وقبل انتهاء السنة المالية الحالية في 30 يونيو، تلتزم البلاد بسداد حوالي 60.8 مليار دولار من هذا المبلغ الإجمالي.
وقال الدكتور سعيد صادق، الباحث في علم الاجتماع السياسي، إن "النظام المصري يتبنى سياسة الهيمنة على القرار... والدعم الخارجي من دول الخليج... عندما يأتي السعوديون أو الإماراتيون للإنقاذ".
"التبعية الاقتصادية تؤدي إلى التبعية السياسية وفقدان الاستقلالية. والسياسة الاقتصادية الحالية تقود حتمًا إلى هذا الاتجاه"، يقول صادق.
وردًا على هذا الجدل المتزايد، قالت وزارة المالية في بيان رسمي يوم الأربعاء إن الأرض لن تُباع بل ستُستخدم كضمان لإصدار صكوك "لتأمين التمويل بشروط ميسرة لتغطية احتياجات الموازنة العامة للدولة". كما أصرت الوزارة على أن الأرض ستظل مملوكة للدولة.
تقع رأس شقير على طول ساحل البحر الأحمر على الساحل الغربي لخليج السويس، على بعد حوالي 350 كم من العاصمة القاهرة.
كما تتمتع المنطقة بأهمية استراتيجية بسبب أنشطتها البحرية ودورها كمركز لمشاريع الهيدروجين الأخضر والأمونيا.
'الملكية الجزئية'
ومع ذلك، ترى المعارضة في مصر وخارجها أن رأس شقير تحمل قيمة استراتيجية واقتصادية كبيرة للغاية بحيث لا يمكن التفريط فيها.
"لقد عارضنا سياسة الحكومة في الاقتراض الخارجي بشكل أكبر، وصرخنا مرارًا وتكرارًا محذرين من عواقبها الوخيمة. ولكن لم يكن أحد يسمع. كل الأصوات المعارضة كانت تتعرض للانتقاد والرفض"، كتب المرشح الرئاسي السابق خالد علي في منشور على فيسبوك.
"كانت التداعيات خطيرة. لقد تحملنا العبء الأكبر من هذه السياسة من خلال انهيار القوة الشرائية للجنيه المصري واستمرار تراجعه أمام العملات الأجنبية." وأضاف علي، وهو أيضًا محامٍ حقوقي بارز.
وهناك سيناريو أكثر قتامة يلوح في الأفق، وهو أن إصدارات الصكوك قد لا تدر، في نهاية المطاف، إيرادات كافية.
وقال أستاذ اقتصاد شهير، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: "حتى لو جلبت مثل هذه الصفقات عملة أجنبية، فإن الحكومة تتخلى عن أصول البلاد وأراضيها مقابل إغاثة مؤقتة".
وتساءل ببلاغة: "ما الذي سيحدث عندما يحين موعد استحقاق السندات وتنخفض الإيرادات؟"
وأعرب المجلس الثوري المصري المنفي عن مخاوف مماثلة.
"إنهم يخدعون المصريين بقولهم إن هذه ليست عملية شراء لتسوية الديون. الصكوك هي ملكية جزئية لأصل يمكن تداوله في الأسواق المالية. قد تكون وسيلة للاستحواذ على الأراضي، خاصةً إذا لم تستطع مصر سداد مستحقاتها من الصكوك... بالنظر إلى السياسات الاقتصادية المترددة للنظام والفساد المستمر على مدار العقد الماضي"، كما قالت المجموعة التي تتخذ من إسطنبول مقرًا لها في منشور على موقع X.
مخاوف الأمن القومي
على الرغم من أن المرسوم الرئاسي ينص على أن الجيش سيشرف على المناطق الاستراتيجية في رأس شقير، إلا أن مخاوف الأمن القومي لا تزال قائمة.
وقال ضابط متقاعد رفيع المستوى بالجيش، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام: "ساحل البحر الأحمر وبالتحديد حول باب المندب ومداخل قناة السويس له أهمية استراتيجية كبيرة، حيث يتقاطع مع المجالات العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية".
وأضاف الضابط المتقاعد: "مع تصاعد التوترات الإقليمية، وخاصة هجمات الحوثيين على الممرات الملاحية في البحر الأحمر، أصبحت السيطرة على رأس شقير والمناطق المجاورة أكثر أهمية".
تعتبر رأس شقير مركز عبور رئيسي لصادرات النفط الخام والبنية التحتية المحلية للطاقة، حيث تربط تدفقات النفط الخليجي بـ قناة السويس وأسواق البحر الأبيض المتوسط.
وخلص العسكري المخضرم إلى أن "أي تعطيل أو سيطرة أجنبية في هذه المنطقة يمكن أن يعرض أمن الطاقة في مصر للخطر ويزيد من توريط البلاد في الصراع الإقليمي الأوسع نطاقًا على طرق التجارة وتدفقات الموارد والهيمنة السياسية".
أخبار ذات صلة

بالأرقام: كيف قوض السيسي حق التعليم في 10 سنوات من الحكم

وقف إطلاق النار في غزة: دعوات لمصر للإفراج عن المحتجين المؤيدين لفلسطين

الفيضانات في كينيا: ماذا يكشف السيول عن ضعف نيروبي
