نوتردام: هل سيتفهم ترامب تاريخها الإسلامي؟

فيمَ سيفكر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وهو يحضر إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام نهاية هذا الأسبوع؟ هل سيكون ذهنه مشغولاً بالمشاكل العالمية التي يوشك أن يرثها بعد أن أغري بالحضور، جزئياً بسبب توسلات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب رغبته التي لا تقاوم في أن يكون في مركز الصدارة في هذه اللحظة التاريخية؟

ينظر إليه البعض على أنه المنقذ الذي سيضع حدًا للحروب المشتعلة الآن في الشرق الأوسط، ربما يمكن لترامب أن يكرس بضع لحظات للتفكير في كيفية تجسيد هذه الكاتدرائية العظيمة للطرق المعقدة العديدة التي تفاعلت وتداخلت فيها ثقافاتنا - وتحديدًا ثقافات العالم المسيحي اللاتيني والعالم الإسلامي - على مر القرون لإنشاء هذا الهيكل الرائع، وهو واحد من بين العديد من هذه الكاتدرائيات القوطية ذات الجمال الفائق.

وباستخدام مهارات البناء المتطورة التي توارثتها الأجيال وصقلها باستمرار في سوريا والعراق وفلسطين، جلب الحرفيون المتعلمون في مجال الحساب معرفتهم المتقدمة في الهندسة والجبر إلى أوروبا عبر إسبانيا الإسلامية وصقلية، حيث بلغ الحكم الإسلامي ذروته في القرنين العاشر والحادي عشر.

وابتداءً من القرن الثاني عشر فصاعداً، أدهش الأساقفة ورؤساء الأديرة حيث كانوا يعملون الآن لصالح أسياد مسيحيين جدد، وبناء كاتدرائيات ضخمة ذات جدران أطول من أي وقت مضى، مستخدمين تقنيتهم الثورية ذات الأقواس المدببة وتقنيات القبو المتقدمة لدعم الأسقف الحجرية العالية. لم يحدث شيء مماثل في أوروبا المسيحية من قبل، وذلك لسبب بسيط وهو أن الحرفيين المحليين لم يكونوا يمتلكون مثل هذه المهارات.

قامت قضبان الربط الحديدية العملاقة بربط الصف العلوي من الحجارة ببعضها البعض، وهي أداة تقوية أنقذت صحن نوتردام من الانهيار أثناء حريق 2019.

كانت صناعة المعادن، مثلها مثل أعمال الحجارة والنجارة الراقية، مجالاً آخر هيمنت عليه إسبانيا الإسلامية في ذلك الوقت، حيث كانت مناجم الحديد، التي كان الرومان أول من عمل بها، قد توقفت عن العمل خلال حكم القوط الغربيين، إلى أن أدى الفتح العربي في القرن الثامن إلى إعادة إحيائها من جديد، محققة أعلى كفاءة من خلال تكنولوجيا المضخات الرائدة.

ومع بدء عملية الاسترداد المسيحي، تم توثيق التعدين على نطاق واسع منذ القرن الثاني عشر الميلادي، خاصة في كاتالونيا، حيث طالبت العديد من الأديرة، وهي المؤسسات الوحيدة الغنية بما يكفي لتمويل عمليات التعدين والصهر، بجزء من مستحقاتها من الحديد والرصاص. وكان العمال والحرفيون المسلمون ممنوعين من الهجرة لأن مهاراتهم كانت تعتبر ذات قيمة كبيرة لا يمكن خسارتها. وحتى يومنا هذا، لا تزال العديد من المناجم الإسبانية تحمل أسماءها العربية، مثل المدائن والجستريل والكويفة.

معالم العمارة الإسلامية

بالإضافة إلى الابتكارات المعمارية التي جلبها هؤلاء الحرفيون البارعون معهم، فقد أدخلوا أيضاً ذخيرة زخرفية جديدة إلى فرنسا وأوروبا يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الكاتدرائيات مثل كاتدرائية نوتردام - أوراق الشجر الملتوية التي تؤطر الأقواس، واستخدام الميداليات والإطارات، والنقوش الثلاثية والرباعية والفصوص المتعددة التي تضفي أشكالها الأنيقة المميزة على النوافذ والأقواس، والأنماط التجريدية التي تمتد إلى ما لا نهاية.

كل شيء مغطى بهيكل هندسي يكذب الفوضى الظاهرة في الزخرفة؛ كل هذه العناصر هي من سمات الفن والعمارة الإسلامية.

كان القوس المدبب هيكلياً وزخرفياً في آن واحد، وهي سمة أخرى شائعة في العمارة الإسلامية، مما مكن من بناء الجدران بشكل أقل حجماً وبالتالي أقل وزناً وأكثر ارتفاعاً، في حين أن شكلها الأنيق، الذي يظهر بشكل خاص في الواجهة الغربية لنوتردام، يضفي رشاقة وخفة على الهيكل العام.

وقد رأى المهندس المعماري الفرنسي الشهير لو كوربوزييه (1887-1965) في البساطة المتناغمة لواجهة نوتردام "إبداعًا نقيًا للروح التي يديرها المربع والدائرة، ومن هنا نقاؤها الهندسي". المعنى حاضر دائمًا وراء الهندسة، ومن المتعارف عليه على نطاق واسع أن المربع يمثل العالم المادي الدنيوي، بينما ترمز الدائرة إلى العالم الروحي - الإلهي واللانهائي.

يستخدم الجبر، من كلمة "الجبر" العربية، الرمز "x" للعنصر غير المعروف الذي يمكن حسابه، ويُعتقد أنه من الإسبانية، حيث تحمل "x" القيمة الصوتية "sh"، والتي تمثل "شاي" العربية، والتي تعني "الشيء". الجبر له المعنى الجذري لجمع الأجزاء معًا، مثل العظام المكسورة، لاستعادة التوازن إلى الكل.

قرون من التجارب

تعكس نسب الأعمدة النحيلة التي تحيط بالمداخل الثلاثة الضخمة ذات الأقواس المدببة للواجهة الغربية لنوتردام، مثلها مثل جميع الكاتدرائيات الأوروبية في أوائل العصور الوسطى، نسب الأعمدة الرشيقة لقاعات الصلاة وساحات المساجد الفاطمية السابقة، مثل الأزهر والحاكم في القاهرة.

وينطبق الأمر نفسه على إطاراتها الغائرة بدقة ومداخلها المزدوجة، التي تحاكيها نوافذ مزدوجة في أعلى الواجهة.

أحد التماثيل الموجودة في واجهة نوتردام، على عمود المدخل المركزي، هو تجسيد للكيمياء، وهي كلمة عربية أخرى اشتقت منها كلمة "كيمياء".

تم اختراع الكيمياء في الشرق الأوسط، حيث أنتجت قرون من التجارب معرفة كيفية مزج المعادن والعناصر المتنوعة لإنتاج ألوان ومواد سحرية شبه صوفية. تم ترميم كاتدرائية نوتردام من الداخل، حيث تزخر النوافذ الزجاجية الملونة التي تم تنظيفها حديثاً بالألوان التي تنقل الضوء باللون الأحمر الغامق والأزرق الداكن، بينما أعيد طلاء الكنائس الجانبية بزخارف زرقاء زاهية ونجوم ذهبية ونجوم متعرجة ملونة تنساب على أعمدتها الرفيعة.

من المعروف عن ترامب نفسه تفضيله للديكور الزاهي والنابض بالحياة، ولونه المفضل هو الذهبي، لذا ينبغي أن يروق له نظام الألوان الجديد.

هل سيكون ترامب قادرًا على تدريب عينيه على الرؤية ما تحت سطح الكاتدرائية اللامعة حديثاً؟ هل يستطيع أن يستوعب ما تمثله هذه المنطقة من روابط غنية بين كاتدرائيات أوروبا القوطية والعالم الإسلامي؟ هل يمكن لمثل هذه المعرفة أن ترشده في قراراته المستقبلية في المنطقة؟

من يدري؟ قد تحدث المعجزات دائماً، ومن المؤكد أنه سيستمتع بدور المنقذ.