إسرائيل في مأزق استراتيجي بعد فشلها في غزة
بعد 15 شهرًا من القصف، المحللون يرون أن إسرائيل لم تحقق انتصارات استراتيجية. مع تزايد الدمار في غزة، تبرز تحديات كبيرة لكل من إسرائيل وحماس. لا يوجد منتصر واضح، بل أزمة عميقة تتطلب إعادة تقييم شاملة.
إسرائيل دمرت الحياة في غزة لكنها بعيدة عن الانتصار
بعد 15 شهرًا من القصف المتواصل الذي لا هوادة فيه والذي تسبب في موت ودمار غير مسبوق في غزة، يقول المحللون إن إسرائيل بعيدة كل البعد عن تحقيق النصر.
فعلى الرغم من قوتها النارية الهائلة والدعم الدولي الذي تحظى به، فشلت إسرائيل في تحقيق العديد من أهدافها الرئيسية للحرب التي شنتها في 7 أكتوبر 2023 بعد الهجوم الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل.
هذا الفشل، إلى جانب التكلفة البشرية الهائلة في غزة، يكشف عن أزمة أعمق في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، كما يقول المحللان سامي عرابي وأمير مخول.
لقد كان السابع من أكتوبر فشلًا استراتيجيًا وعسكريًا واستخباراتيًا هائلًا لإسرائيل، وهو الفشل الذي كانت قواتها المسلحة عازمة على تعويضه.
ومع ذلك، يرى عرابي وأمير مخول أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تؤدِّ سوى إلى تفاقم نقاط الضعف هذه، وليس تعزيزها.
يقول عرابي، وهو محلل سياسي مقيم في رام الله، لميدل إيست آي: "اضطرت إسرائيل إلى توقيع اتفاق مع الحركة التي قالت إنها جاءت لتدميرها والقضاء عليها واستئصالها". "وهذا يعني أن الصورة التي تحطمت في 7 أكتوبر لم يتم ترميمها حتى هذه اللحظة."
ولكن على الرغم من هذا الفشل، لا ينبغي تجاهل النجاح الوحيد الذي حققته إسرائيل: تدمير الحياة في غزة.
ويضيفان أن هذا سيترك الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك حماس، أمام تحديات هائلة في المستقبل.
لا يوجد منتصرون
يقول عرابي إنه عند تقييم الحرب والتنبؤ بتداعياتها، لا يمكن للمرء أن يغفل التكلفة البشرية الهائلة والدمار الهائل في غزة.
ويضيف: "يجب أن يكون النقاش حول النجاح والفشل حذرًا ومتحفظًا إلى حد كبير، إذ يجب أن يأخذ في الاعتبار التكلفة البشرية التي دُفعت داخل غزة".
"يمكننا القول إن الاحتلال لم يتمكن من تحقيق بعض أهدافه، ولكن لا يمكن أن نغفل الدمار الهائل والتكلفة البشرية الباهظة التي فرضها على الفلسطينيين داخل غزة".
ويضيف مخول، وهو كاتب وناشط مقيم في حيفا، أنه بالنظر إلى ذلك، لا يوجد منتصر واضح في الحرب.
"لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنًا باهظًا للغاية لا يمكن وصفه بـ"النصر" أو دفعه من أجل النصر".
"من ناحية أخرى، لا يمكن لإسرائيل أن تدعي أي شكل من أشكال النصر. بل على العكس، هناك شعور داخلي في إسرائيل بأنها هُزمت".
فشلت إسرائيل في تحقيق انتصارات استراتيجية أو عسكرية كبيرة. مما جعلها في وضعٍ أسوأ عالميًا وإقليميًا مما كانت عليه في 6 تشرين الأول 2023.
لم تتحقق معظم الأهداف التي حددتها إسرائيل بعد الهجوم المفاجئ الذي قادته حماس، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي.
وتشمل هذه الأهداف القضاء على الجناح العسكري لحماس، وإسقاط حكومتها وإطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الـ 240 المحتجزين في غزة.
وهناك إخفاقات في تحقيق أهداف أخرى غير معلنة أيضًا، مثل استعادة قوة الردع وطرد الفلسطينيين من غزة واحتلال أجزاء من القطاع، وفقًا للمحللين.
وأوضح عرابي أن "الاحتلال الإسرائيلي فشل في تهجير الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة، أو فرض الاستيطان، أو فرض احتلال عسكري طويل الأمد، أو القضاء على حركة حماس أو إيجاد بديل لحكمها".
تداعيات طويلة الأمد
يذهب مخول إلى ما هو أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن إسرائيل لم تفشل عسكريًا فحسب، بل فشلت أيضًا على المستوى الاستراتيجي، مع انهيار التحالفات السياسية وتشويه سمعتها الدولية.
فقد تآكلت بسرعة التحالفات مع الدول العربية التي تم تشكيلها خلال إدارة دونالد ترامب الأولى، مما ترك إسرائيل مع عدد أقل من الحلفاء الإقليميين والدوليين.
ويؤكد مخول أن "وزن إسرائيل الاستراتيجي قد تراجع بشكل كبير على المستويين العربي والعالمي".
ويقول المحللان إن تصرفات إسرائيل أدت أيضًا إلى تحول عميق في النظرة العالمية.
فقد أصبح دعم الغرب لإسرائيل الذي كان في السابق موضع تساؤل الآن، مع تزايد الدعوات إلى محاسبتها.
ويشير مخول إلى أن القضية الفلسطينية عادت إلى الظهور بقوة على جدول الأعمال الدولي، لا سيما في ضوء انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.
ويقول: "أصبحت القضية الفلسطينية الآن في موقع استراتيجي قوي جدًا على الساحة العالمية"، مستشهدًا بالحكم الأولي لمحكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة والضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، ستجد حماس تحديات هائلة ستواجهها عندما تصمت المدافع.
إذ سيتعين عليها مواجهة الشعب الفلسطيني وتبرير الحرب، وتسهيل إعادة إعمار غزة وإعادة بناء قدراتها، بحسب عرابي.
وقال: "ستشكل عملية إعادة الإعمار تحدياً كبيراً".
وأضاف: "لدينا الآلاف من الأطفال الأيتام، أطفال نجوا بينما أُبيدت عائلاتهم بأكملها، وأحياناً طفل في السابعة من عمره مسؤول عن شقيقه البالغ من العمر سنة أو سنتين، وهكذا".
"بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجرحى. هناك أسئلة اجتماعية كبيرة يجب معالجتها".
الردع والتحدي
أحد التغييرات الرئيسية التي ستستغرق وقتًا لتقييمها هو كيف أثرت هذه الحرب على نظرة أعدائها لإسرائيل، وما إذا كانت الحرب ستعمل كرادع.
"هل نجح الإسرائيليون في تغيير نظرة الشعب الفلسطيني فيما يتعلق بعدم جدوى المقاومة"؟ تساءل عرابي.
وفي حين أن تدمير غزة كان كارثياً، إلا أن رفض الاستسلام جعل من حماس رمزاً للتحدي، كما يقول.
وسيكون هذا، إلى جانب المعاناة الإنسانية، قوة دافعة للنضال الفلسطيني الأوسع نطاقاً على المدى الطويل.
ستبقى أهمية هجوم 7 أكتوبر، الذي كشف عن نقاط الضعف في القدرات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، حاضرة إلى الأبد.
وقال عرابي: "لأول مرة يمكن استهداف إسرائيل وخداعها وهزيمتها".
ويعتقد أن هذا سيكون له آثار دائمة على مستقبل المقاومة الفلسطينية والأمن الإسرائيلي على حد سواء لسنوات قادمة.