تصعيد إسرائيلي يهدد استقرار المنطقة والدبلوماسية
الهجوم الإسرائيلي على فريق حماس في الدوحة يهدد الدبلوماسية الإقليمية ويعيد تشكيل النظام الأمني في الشرق الأوسط. تصعيد خطير يعكس استراتيجية مدروسة لإضعاف السيادة وفرض الهيمنة العسكرية. ماذا يعني ذلك لمستقبل المنطقة؟

كان هجوم إسرائيل على فريق التفاوض التابع لحركة حماس في الدوحة هذا الأسبوع أحدث تصعيد دراماتيكي في حربها الإقليمية.
وكان توقيت الهجوم الذي تم ارتكابه في الوقت الذي اجتمع فيه الوسطاء لمناقشة اتفاق وقف إطلاق النار الأخير محاولة وقحة ويائسة لتفكيك الإطار الدبلوماسي الهش الذي تم بناؤه بشق الأنفس على مدى سنوات من المفاوضات والمشاركة.
ومع ذلك، فإن الهجوم لم يكن مجرد اعتداء على جهود الوساطة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة فحسب، بل كان يمثل أيضًا تهديدًا مباشرًا للدبلوماسية والنظام الدولي.
ولطالما كانت الدوحة مركزًا للدبلوماسية الإقليمية، حيث تتواصل مع جميع الأطراف، بما في ذلك حماس. وتشير التقارير إلى أن كبار قادة حماس كانوا مجتمعين في الدوحة لمناقشة اقتراح أمريكي حديث عندما وقعت الضربة.
لم يكن ذلك لقاءً في ساحة المعركة، بل كان هجومًا مباشرًا على عملية سياسية جارية.
ومن خلال ضرب هدف في قطر، التي طالما وفرت مكانًا محايدًا للمحادثات، تكون إسرائيل قد تجاوزت عتبة خطيرة، مقوضةً بذلك إمكانية التوصل إلى حلول تفاوضية.
إعادة تشكيل النظام الإقليمي
شاهد ايضاً: إسرائيل تضرب العاصمة اليمنية صنعاء
وقع الهجوم في مشهد أمني إقليمي متدهور، يدخل فيه الشرق الأوسط مرحلة من الخطر والتقلب لم يشهدها منذ عقود.
في الأسابيع الأخيرة وحدها، وسّعت إسرائيل نطاق عملياتها العسكرية إلى ما هو أبعد من غزة، حيث شنت ضربات في لبنان والضفة الغربية وسوريا وتونس واليمن، والآن قطر.
هذه ليست حوادث معزولة، ولكنها جزء من استراتيجية متعمدة لإضعاف الدول ذات السيادة وزعزعة استقرار المنطقة. وتعكس الديناميكيات الحالية صدى الاضطرابات التي أعقبت نكبة عام 1948، مما يشير إلى التحضير لمرحلة جديدة من الاضطرابات الإقليمية المصممة للحفاظ على المشروع الصهيوني.
وهكذا تحول الصراع من مسائل الردع إلى إعادة تشكيل جذري للنظام الإقليمي.
فالهجوم على قطر ينطوي على عواقب تتجاوز مجرد عمل عدواني واحد، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الاستقرار الإقليمي والأعراف الدولية.
ويمكن فهم هذه التداعيات من خلال أربعة أبعاد رئيسية تسلط الضوء على نطاق التحدي الذي يواجه صانعي السياسات في منطقة الخليج على وجه الخصوص.
أولاً، تبعث سلسلة الهجمات الإسرائيلية الأخيرة برسالة واضحة مفادها أنه لا توجد دولة في المنطقة بعيدة عن متناولها. وتشير حملتها المتصاعدة إلى أن كل دولة، من باكستان إلى المغرب ومن تركيا إلى السودان، قد تواجه هجمات مماثلة.
ولا تتعلق الضربة الأخيرة بقطر فحسب، بل إنها تؤسس لسابقة خطيرة تتحدى مفهوم الحماية السيادية ذاته.
فمن خلال الترهيب والقوة، تسعى إسرائيل إلى إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، وتوضح استعدادها لاستخدام القوة العسكرية لتشكيل النتائج السياسية والاصطفافات الإقليمية. ويكشف حجم هذه العمليات، التي شملت سبعة بلدان في غضون أسابيع، عن حملة إكراه مدروسة ومنسقة.
هذه ليست إجراءات دفاعية بل تحركات محسوبة تهدف إلى فرض نظام إقليمي جديد من خلال الخوف والهيمنة العسكرية. وإذا لم يتم التصدي لهذا السلوك، فإنه سيؤدي إلى تطبيع العدوان عبر الحدود وتشجيع الدول الأخرى على التخلي عن ضبط النفس.
وستكون النتيجة تآكل سريع للمعايير التي ساعدت لعقود من الزمن على الحد من الحروب الإقليمية واحتواء الخصومات المتصاعدة.
تواطؤ الولايات المتحدة
ثانياً، لا تزال الولايات المتحدة في قلب هذه الأزمة التي تتكشف.
فبدون دعم واشنطن السياسي والعسكري والاستخباراتي كان من الممكن أن تتوقف حرب الإبادة الجماعية على غزة وامتداداتها الإقليمية الآخذة في الاتساع.
وتؤكد الأزمات المتصاعدة على أن الأطراف الإقليمية الفاعلة لم تعد قادرة على الاكتفاء بالخطابات فقط. ويواجه مجلس التعاون الخليجي الآن اختبارًا حاسمًا لإطاره الأمني الجماعي
من غير المعقول أن المسؤولين الأمريكيين لم يكونوا على علم بعمليات عسكرية بهذا الحجم. فحتى لو لم يأذنوا بها صراحة، فإن صمتهم واستمرار تدفق الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية يجعل الولايات المتحدة متواطئة.
لا يمكن لدولة أن تدّعي بمصداقية أنها تروج للسلام بينما تمكّن طرفًا واحدًا من شن هجمات دون عقاب. ومن خلال حماية إسرائيل من المساءلة، فإن واشنطن لا تقوض مصداقيتها فحسب، بل تضعف أيضًا النظام الدولي ذاته الذي تدعي الدفاع عنه.
لقد سمح الغطاء الدبلوماسي والدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل بالعمل خارج قيود القانون الدولي.
وقد أدى استخدام واشنطن المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن الدولي، وعرقلتها للتحقيقات، وحماية إسرائيل من المحاكم الدولية إلى خلق ثقافة الإفلات من العقاب.
إن أزمة اليوم هي النتيجة المباشرة لهذه الاستثنائية: دولة تتصرف وكأنها فوق القواعد التي تحكم السلوك العالمي.
ثالثًا، تؤكد الأزمات المتصاعدة على أن الجهات الفاعلة الإقليمية لم تعد قادرة على تحمل الرد بالخطاب وحده.
ويواجه مجلس التعاون الخليجي الآن اختبارًا حاسمًا لإطاره الأمني الجماعي. فإذا كان من الممكن مهاجمة عضو مؤسس مثل قطر دون عواقب، فإن البنية الدفاعية لمجلس التعاون الخليجي قد تصبح بلا معنى.
تآكل السيادة
وبالمثل، يجب أن تدرك الجامعة العربية أن هذه ليست حوادث معزولة بل هي جزء من استراتيجية أوسع نطاقاً تهدف إلى تآكل السيادة في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي.
إن الانقسام والتردد لن يؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من العدوان. لذلك يجب على دول المنطقة أن تتصرف بحزم لحماية أراضيها وسكانها، خاصة وأن إسرائيل قد أوضحت نيتها في التصعيد أكثر من ذلك.
وأخيرًا، تتجاوز هذه الأزمة المؤسسات الإقليمية لتتحدى تعددية الأطراف العالمية نفسها. وتقف الأمم المتحدة في منعطف حرج. فقد قوّض تحدي إسرائيل المستمر لقرارات الأمم المتحدة وتجاهلها للتفويضات الدولية مصداقية المنظمة بشدة.
وقد أدى فشلها في حماية المدنيين أو منع نشوب النزاعات إلى ظهورها بمظهر العاجز في مواجهة العنف المتصاعد. ولاستعادة أهميتها، يجب على الأمم المتحدة أن تتجاوز البيانات الرمزية وتتبنى إجراءات حاسمة. ويشمل ذلك إجراء تحقيقات عاجلة وعقد جلسات طارئة واتخاذ إجراءات إنفاذ ملزمة لمحاسبة المعتدين.
يجب على المجتمع الدولي فرض تكاليف حقيقية على إسرائيل من خلال العقوبات والمساءلة القانونية والعزلة الدبلوماسية. وأي شيء أقل من ذلك سيشير إلى أن العنف والإفلات من العقاب قد حلّ محل القانون الدولي والأمن الجماعي كمبادئ منظمة للسياسة العالمية.
كانت الضربة الإسرائيلية على قطر أكثر من مجرد عمل عسكري. لقد كان اعتداءً مباشرًا على السيادة والاستقرار والأمل الهش في إمكانية حل النزاعات بوسائل غير عنيفة.
شاهد ايضاً: حصري: السلطة الفلسطينية تخبر الولايات المتحدة بأنها مستعدة لـ "الصدام" مع حماس للسيطرة على غزة
وإذا مرت هذه اللحظة دون رد موحد وحاسم، فإنها ستشكل سابقة تعيد تشكيل المنطقة وتزعزع استقرار النظام العالمي لعقود قادمة.
ويواجه القادة العرب والدوليون الآن خياراً صارخاً: إما العمل على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والسلام الدولي، أو الوقوف موقف المتفرج بينما تستمر المعايير الدبلوماسية الراسخة في التآكل.
أخبار ذات صلة

إبادة غزة: بعد شهور من الحرمان، السكر يذكرني لماذا أقاتل لأكون هنا

مستوطنون إسرائيليون يضربون أمريكيًا فلسطينيًا حتى الموت ويطلقون النار على آخر بشكل قاتل

سفير إسرائيل في النمسا يقترح تنفيذ حكم الإعدام على قُصّر غزة في تسجيل سري
