عزلة الأسرى الفلسطينيين معاناة لا تنتهي
تستعرض المقالة معاناة أكثر من 10,000 سجين فلسطيني يعيشون في عزلة قاسية، حيث تُستخدم العزلة كأداة للتعذيب الجسدي والنفسي. تكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان والظروف اللاإنسانية التي يواجهها الأسرى في السجون.

يحلم الكثير منا بالانسحاب إلى جزيرة منعزلة بعيداً عن ضوضاء العالم الخارجي التي لا تهدأ، ليجد السلام والصفاء.
ولكن بالنسبة لأكثر من 10,000 سجين فلسطيني حوالي ربعهم من غزة، مصنفين على أنهم "مقاتلون غير شرعيين" فإن العزلة ليست حلماً؛ بل هي أسوأ كوابيسهم.
فمنذ ما يقرب من عامين، تم عزل عدد لا يحصى من المعتقلين والسجناء في عزلة شبه تامة، معزولين عن العالم الخارجي. تُستخدم هذه العزلة كسلاح كشكل من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، وهي مصممة لتحطيم الروح الإنسانية.
كمحامية من اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، وخلال زياراتي للمحتجزين في المعتقلات والسجون العسكرية، شهدت آلاماً لا يمكن تصورها. لقد بقيت لحظتان على وجه الخصوص عالقة في ذهني: الأولى عندما سألني أحد الأسرى بهدوء: "هل ما زالت غزة موجودة؟"
جعلتني تلك الكلمات القليلة عاجزة عن الكلام، وكشفت لي عن عمق ألمه وقلقه الذي لا هوادة فيه والذي يلازمه في كل لحظة.
وفي الآونة الأخيرة، بعد الحرب مع إيران، قال لي سجين آخر "أخبرنا الحراس أن هناك تدريبات عسكرية لهذا السبب نسمع أصوات القنابل وأجهزة الإنذار".
كشفت هذه الحوارات عن حقيقة مؤلمة: السجناء الفلسطينيون معزولون ليس فقط جسديًا، بل أيضًا عن المعلومات الحيوية عن العالم الخارجي.
نظام العقاب الجماعي
قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان الأسرى الفلسطينيون يواجهون بالفعل القمع والمعاملة المهينة والظروف اللاإنسانية ولكن منذ ذلك الحين، تفاقم وضعهم بشكل كبير، حيث تفرض القوات الإسرائيلية نظامًا من العقاب الجماعي والعزل.
يعاني الأسرى من الحر الشديد في الصيف، والبرد القارس في الشتاء، والإهمال الطبي، والتحرش الجنسي، والطعام الفاسد وغير الكافي، وانقطاع الكهرباء ليلاً.
كما يُمنع دخول ساحة الفورة والكانتين والمياه النظيفة والزيارات العائلية، بينما يراقب الحراس الإسرائيليون الاستشارات القانونية أو يمنعونها تمامًا، في انتهاك للقانون الإسرائيلي والدولي.
المداهمات العنيفة أمر روتيني، حيث تتم مصادرة الممتلكات، ولا يُترك للأسرى سوى مجموعة واحدة من الملابس. وكما أخبرني أحد السجناء الذي أمضى 20 عامًا في السجن وأطلق سراحه في أوائل عام 2023، ثم أعيد اعتقاله في نوفمبر 2023 "السنوات العشرين التي قضيتها في السجن لا تقارن بليلة واحدة من العذاب الذي أواجهه الآن بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول."
تمتد عزلة السجناء الفلسطينيين إلى ما هو أبعد من مجرد الانفصال عن العالم الخارجي. فداخل جدران السجن، تمنعهم القيود القاسية من مشاركة معاناتهم الجسدية والنفسية والطبية مع زملائهم المعتقلين، مما يؤدي إلى قطع الروابط الإنسانية عمدًا وإجبار كل فرد على تحمل الألم والوحدة الهائلة.
وقد شهد معتقلون من غزة بأنهم أُجبروا على الجلوس لمدة 20 ساعة دون حراك أو كلام، ورؤوسهم محنية بين أرجلهم وأعينهم مغمضة وأيديهم وأرجلهم مكبلة. وكانت أي محاولة لتحريك أجسادهم أو الكلام تؤدي إلى عقاب جماعي، بما في ذلك الضرب والإذلال وأشكال أخرى من القمع.
ومن خلال هذه الإجراءات، تضمن السلطات الإسرائيلية أن يبقى الأسرى معزولين نفسيًا وعاطفيًا، وبالتالي منع تحول معاناتهم إلى وعي أو غضب جماعي. هذه الاستراتيجية تحصر ألم كل شخص في نفسه، وتحطم معنوياتهم بهدوء وبلا هوادة، مع حرمانهم من التضامن والحفاظ على السيطرة على الجسد والعقل معًا.
كما تم تقييد الوصول القانوني للمعتقلين الفلسطينيين بشدة. فقد مُنع العشرات من المحامين من دخول السجون، بدعوى محاولتهم نقل رسائل إلى المعتقلين والسجناء. وينتهك هذا الحظر المبادئ الأساسية للاستشارة القانونية والإجراءات القانونية الواجبة، مما يزيد من عزل السجناء وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
إن الاستخدام المنهجي للعزل كأداة للقمع والتعذيب يلحق ضررًا نفسيًا وجسديًا شديدًا. فهو لا يلحق الضرر بالسجناء على المستوى الفردي فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تفتيت قوتهم الجماعية. ومن خلال قطع صلاتهم بأسرهم وزملائهم السجناء والعالم الخارجي، فإن هذه السياسة تزيد من معاناتهم وتقوض كرامتهم الإنسانية الأساسية.
الحقوق الأساسية المنتهكة
على الرغم من الحماية التي توفرها اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من المعاهدات الدولية، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب، وأحكام المحاكم الإسرائيلية التي تؤكد على واجب الدولة في الحفاظ على الحقوق الأساسية للأسرى الذين يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني بحكم إقامتهم في الأراضي المحتلة تواصل إسرائيل فرض العقاب الجماعي على الأسرى الفلسطينيين، منتهكةً بذلك حقوقهم الأساسية بشكل صارخ.
ويحكم المبدأ القانوني التالي، كما ورد في حكم المحكمة في قضية رفعتها منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان ضد الدولة، حقوق الأسرى بموجب القانون الإسرائيلي: "إن أي مساس بحقوق الإنسان للسجين يجب ألا يصل إلى حد العقوبة الإضافية التي ينص عليها القانون. ولا يكون هذا التعدي مشروعًا إلا إذا كان ناتجًا بالضرورة عن الحرمان من الحرية الملازم للسجن أو كان مطلوبًا لحماية مصلحة عامة حيوية يعترف بها القانون".
بالإضافة إلى ذلك، في قضية رفعتها منظمة ييش دين الحقوقية ومنظمات أخرى ضد الدولة، أشارت المحكمة إلى أن التزامات إسرائيل تجاه السجناء الفلسطينيين "تشمل واجبها في التمسك بالقانون الدولي والمعايير التي تضعها فيما يتعلق بظروف الاحتجاز والسجن".
ومن المثير للقلق أنه حتى هذا الشهر، لا يزال أكثر من 3,500 معتقل إداري فلسطيني مسجونين دون توجيه تهم واضحة ضدهم.
وبالنسبة للمعتقل الإداري، فإن حالة عدم اليقين ثابتة. حيث يستند اعتقالهم إلى "أدلة أمنية" سرية، وحتى بعد انقضاء مدة ستة أشهر، يمكن تجديد الأمر إلى أجل غير مسمى. ولا يمكن للمعتقل أو محاميه الحصول على إجابات واضحة حول موعد أو ما إذا كان سيتم الإفراج عنه. هذا الغياب للشفافية يترك المحتجز معزولًا وعاجزًا، ومحرومًا ليس فقط من حريته، بل أيضًا من أي فهم لسبب احتجازه.
تثير هذه الممارسات تساؤلات قانونية وأخلاقية ملحة حول احترام حقوق الإنسان والمعاملة العادلة والعدالة بموجب القانون الدولي والقانون الإسرائيلي على حد سواء. إن معالجة الأضرار العميقة الناجمة عن نظام العزل هذا ليست مسألة شفقة فحسب، بل هي ضرورة قانونية لدعم مبادئ الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية لجميع الأسرى في السجون الإسرائيلية.
كما يجب على إسرائيل أن توقف ممارساتها الانتقامية ضد الأسرى، وأن توقف الأذى النفسي الذي يلحق بهم من خلال عزلهم المرعب عن العالم الخارجي وهو سلاح يستخدم لتأكيد السلطة والسيطرة على الأفراد الذين حرموا بالفعل من أبسط حقوقهم وكرامتهم الإنسانية وحرياتهم.
أخبار ذات صلة

إبادة غزة: كيف تُفقد سياسة "لا مكان للعودة" الفلسطينيين هويتهم

وزير الخارجية السوري في روسيا للاجتماع الأول منذ الإطاحة بالأسد

تقرير الأمم المتحدة: صمغ عربي مسروق وذهب يغذي قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية السودانية
