مأساة غزة تجسد الإبادة الجماعية ببطء
تعيش غزة مأساة إنسانية حقيقية، حيث يعاني الأطفال والنساء من المجاعة المتعمدة والحرمان من الغذاء والرعاية الصحية. الأوضاع تتدهور بسرعة، والعالم يتفرج. اكتشفوا تفاصيل هذه الفظائع في المقالة.

كطبيبة وعاملة إغاثة إنسانية وأم، أمضيتُ العقدين الماضيين في الاستجابة للأزمات في سوريا واليمن وباكستان وغيرها.
لقد عالجت الأطفال الذين يتشبثون بالحياة من أمراض يمكن الوقاية منها، ودعمت النساء المصابات بصدمات نفسية أثناء الولادة في مناطق الحرب، وشهدت الخسائر البشرية المدمرة للحصار والقصف والقسوة البيروقراطية.
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة، لا شيء يقارن بما نشهده في خضم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
واليوم، ينهار قطاع غزة تحت وطأة مجاعة من صنع الإنسان، حيث يتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر لما وصفه خبراء الأمم المتحدة بـ"المجاعة المتعمدة" و"المجاعة ذات الدوافع السياسية" ليس بسبب الكارثة، بل بسبب تصميمها.
طوال سنوات عملي الميداني، لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا الاعتداء المنهجي على صحة الأم والطفل.
هذه ليست أزمة إنسانية بشكل مجرد. إنها الحرمان المتعمد من الغذاء والماء والدواء لسكان مدنيين بأكملهم إنها فظاعة تتكشف على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
التجويع المتعمد
تُمنع الوكالات الإنسانية مثل منظمتي منظمة العمل من أجل الإنسانية بشكل روتيني من الوصول إلى غزة.
وفي الوقت نفسه، يتم استخدام ما يسمى بـ "مؤسسة غزة الإنسانية" وهي منظمة صورية كسلاح: في أحسن الأحوال لتحقيق مكاسب سياسية، وفي أسوأ الأحوال لتعميق معاناة الفلسطينيين.
يتم حجب الغذاء والوقود والإمدادات الطبية وحتى حليب الأطفال.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من 71,000 طفل دون سن الخامسة وحوالي 17,000 امرأة حامل ومرضعة بحاجة إلى علاج عاجل من سوء التغذية الحاد.
وتشير تقديرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن أكثر من 557,000 امرأة تواجه انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وفي وحدات الأطفال حديثي الولادة في خان يونس ورفح، يتشبث الأطفال الخدج بالحياة على قطرات متناقصة من حليب الأطفال المستنفد.
وقد حذر العاملون في مستشفى ناصر من نفاد آخر علب حليب الأطفال الطبي المتخصص. هؤلاء الأطفال بعضهم يزن أقل من 1.5 كيلوغرام لا يموتون بسبب نقص الحب، بل بسبب نقص السعرات الحرارية.
لا تستطيع الأمهات اللاتي يعانين من سوء التغذية إنتاج حليب الأم. الأطفال الرضع مثل لينا البالغة من العمر ستة أشهر، الذين ولدوا بوزن أقل من اللازم ويعتمدون على الحليب الصناعي، يتضورون الآن جوعاً مع نفاد الإمدادات.
لا تستطيع والدتها التي تعاني من الهزال وفقر الدم أن ترضع. كانت العلب القليلة التي بحوزتها تكفيها لمدة شهر، لكنها نفدت خلال أيام.
النساء يلدن في الخيام، بين الأنقاض، في عيادات مكتظة بدون تخدير ولا مضادات حيوية ولا مستلزمات النظافة.
تُجرى العمليات القيصرية دون مسكنات مناسبة للألم. لقد سمعت مباشرةً من نساء مثل رانيا، التي وضعت طفلها بمفردها، واستلقت في عذاب دون ماء، وخرجت من المستشفى في غضون ساعات وهي تنزف وتحتضن مولودها الجديد.
المساعدات المسلحة
هذه ليست مآسي معزولة. إنها القاعدة في غزة اليوم.
يشهد العاملون في مجال الصحة كارثة صحية عامة في الوقت الحقيقي، وهم غير قادرين على التصرف أيديهم مقيدة بسبب تدمير نظام الرعاية الصحية والعرقلة المتعمدة للمساعدات.
هذا ليس فشلاً في الخدمات اللوجستية. إنه هدف سياسي. جريمة ضد الإنسانية.
القانون الدولي الإنساني واضح: تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب هو جريمة حرب.
ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها في أبريل 2024 أن الأطفال في غزة بدأوا يموتون بالفعل لأسباب تتعلق بالتجويع. وفي الشهر التالي، في أيار/مايو 2024، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق. وقد تم تجاهل هذه الأوامر بشكل صارخ.
وهذا ليس فقط أمر لا يمكن الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية. بل هو إجرامي.
كطبيبة، رأيت الهزال البطيء لطفل يعاني من سوء التغذية. لقد شاهدت عيون الأم وهي تدمع عندما يفشل طفلها في البكاء بسبب نقص الطاقة.
لقد حملت أطفالاً يحتضرون بين ذراعيّ. إنها مأساة لا توصف عندما تكون حالة واحدة. لكن هذا هو الوضع السائد الآن في غزة والعالم يتفرج في صمت.
وبما أن حقوق الإنسان والقانون الدولي وأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية تُنتهك في كل دقيقة من كل يوم في غزة، يجب أن ندعو مرة أخرى إلى الاستئناف الفوري للممرات الإنسانية لتمكين إيصال الغذاء والوقود وحليب الأطفال والإمدادات الطبية بشكل آمن ومستدام.
كما أن هناك حاجة ملحة لإنشاء مناطق رعاية طارئة للأمومة ورعاية الأطفال حديثي الولادة مزودة بالموظفين والمعدات اللازمة لتوفير الولادة الآمنة والرعاية المنقذة لحياة الأطفال حديثي الولادة.
العمل العاجل
يقع على عاتق الحكومات التزام أخلاقي بتمويل وتفعيل برامج تغذية الأمهات والرضع في حالات الطوارئ عن طريق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والمنظمات غير الحكومية الإنسانية، لتوسيع نطاق علاج سوء التغذية الحاد وتوزيع حليب الأطفال الأساسي.
لسنا بحاجة إلى قوانين دولية جديدة لمنع ما يحدث. فمن الواضح أنه غير قانوني بالفعل. ما نحتاجه هو الإنفاذ.
ويجب على المجتمع الدولي ضمان الامتثال لأحكام محكمة العدل الدولية من خلال الضغط الدبلوماسي والآليات القانونية وتعليق عمليات نقل الأسلحة.
إن الفشل في التحرك الآن لن يعرض أطفال غزة للخطر فحسب، بل سيعرض ضحايا جميع الحروب المستقبلية للخطر.
فالسماح لإسرائيل بإطلاق العنان لانتهاكات بالجملة لقوانين الحرب يشكل سابقة مميتة ستكلفها خسائر في الأرواح لسنوات قادمة، بما يتجاوز حدود غزة.
هذه حالة طبية طارئة. هذه حالة طوارئ إنسانية. إنها حالة طوارئ أخلاقية. وتتطلب هذه الأزمة استجابة تتناسب مع فظاعتها.
وبصفتي إنسانية، أدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة. وبصفتي طبيبة، أدعو إلى فرز المرضى على مستوى السكان. وبصفتي أم، أتساءل: كيف يمكننا قبول هذا؟
أخبار ذات صلة

دعم المغرب غير المباشر لحرب إسرائيل على غزة

اتهام مؤسسة غزة الإنسانية باستخدام شعار جمعية خيرية دون موافقة

يوم الهولوكوست: الناجون من الهولوكوست ضد حرب غزة يقولون "أنهم ضد الحرب الإسرائيلية على غزة"
