فرح الفلسطينيين في غزة كفاح ضد الإبادة
في غزة، كل لحظة تحمل معها آلام الحرب والأمل بالسلام. بعد 15 شهرًا من المعاناة، يترقب الفلسطينيون لحظة العودة إلى ديارهم. الفرح هو مقاومة، ورغم الألم، يسعى الشعب لإعادة بناء حياتهم من جديد.

وقف إطلاق النار في غزة: اللحظات الحرجة
في غزة، يُقاس الوقت في غزة بالدم. كل ساعة إضافية من الحرب تزيد من احتمال أن يصبح شخص ما يعيش في غزة إما ضحية أو يفقد أحباءه.
القتل والخسارة دائمًا ما يكونان مأساويين، ولكنهما أكثر مأساوية في الساعات الأخيرة. فمنذ لحظة الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في الدوحة، وفي الساعات التي سبقت تنفيذه المتوقع، أفادت مصادر طبية محلية بمقتل أكثر من 120 فلسطينيًا في الغارات الإسرائيلية على غزة.
نجا هؤلاء الضحايا من 15 شهرًا من الإبادة وآلاف الأطنان من المتفجرات التي ألقتها إسرائيل فوق رؤوسهم. لقد نجوا من الجوع والحزن لفقدان أحبائهم ومشقة النزوح والبرد. لقد تحملوا كل هذه الأهوال وتغلبوا عليها، ولم يتبق لهم سوى ساعات حتى الخلاص.
في تلك الساعات الأخيرة، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أخبار المفاوضات في الدوحة. وفي الخيام، تحدثوا وهم يجهزون أمتعتهم القليلة لرحلة العودة إلى ديارهم، وهم يترقبون نهاية نزوحهم القسري بعد 15 شهرًا من الحرب.
وبدا بصيص من الارتياح على وجوههم بعد أشهر من الحزن الكئيب، وبعث الأمل من جديد في قلوبهم. كانوا يعتقدون أنهم على وشك بدء حياة جديدة وترك أيام الخوف والحزن الطويلة وراءهم.
كان الأمر كما لو أن روحًا جديدة قد بدأت في الظهور بين أهالي غزة. لكن آلة الإبادة الإسرائيلية تعكر صفو الفرح، وتسعى لإبقاء الحزن مخيماً على الشعب الفلسطيني على الدوام.
شاهد ايضاً: الدول الخليجية مرتبطة بالشركات الإسرائيلية في القائمة السوداء للمستوطنات التابعة للأمم المتحدة
فقبل ساعات فقط من سريان وقف إطلاق النار، انقضت إسرائيل على المزيد من الضحايا لتقتلهم وتزيد من آلامهم وحسرتهم وتحطم أحلامهم.
القتل والخسارة في الساعات الأخيرة
ليس من المبالغة الأدبية أن نقول إن إسرائيل عدو للفرح والحياة نفسها. فالفرح يقوي إرادة البقاء، وإسرائيل لا تريد للفلسطينيين البقاء على قيد الحياة.
وتعليقًا على الغارات الجوية في اليوم الأخير قبل وقف إطلاق النار، كان الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي محقًا عندما قال لشبكة سي إن إن "التعطش للدماء هو ما دفع إلى قتل 24 امرأة و 19 طفلاً في اليوم الأخير للحرب".
أحلام الفلسطينيين في غزة: العودة إلى الحياة الطبيعية
إن أحلام الفلسطينيين في غزة بسيطة للغاية: إنهاء الحرب والعودة إلى أيام هادئة خالية من الضياع. من الظواهر المتكررة في الأشهر الأخيرة، وخاصة في الليل، هي الاندفاع العفوي للهتافات من مخيمات النازحين: "هدنة، هدنة!" وأصبح ذلك أكثر تواترًا في الليالي الأخيرة قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
لم يكن المحتفلون بهذا الحدث المتخيل يحاولون خداع أحد. بل كانت محاولة للتنفيس؛ لاغتنام لحظة قصيرة من الفرح وتجسيد الشعور بالسعادة، حتى لو كانت عابرة؛ للهروب للحظات من الحزن والمأساة الطاغية.
وأخيرًا، وبعد أكثر من 15 شهرًا من الترقب، أصبح الحلم حقيقة واقعة. ومع انتشار أخبار الصفقة، لم يكن في أذهان الناس سوى شيء واحد فقط.
وبينما كنت أسير في الظلام بين الخيام، سمعت طفلًا صغيرًا يسأل والده "بابا، متى سنعود إلى غزة سيتي؟ أجاب الأب "إن شاء الله، قريبًا". وفي وقت لاحق، سمعت رجلاً يقول لصديقه: "بمجرد أن يُفتح الطريق إلى غزة، سأفك خيمتي وأقطع المسافة سيرًا على الأقدام".
مررتُ أخيرًا بمجموعة من الشباب المتجمعين حول أحد هواتفهم بانتظار الأخبار عبر الراديو. تردد نفس السؤال من جميع المارة: "هل وقعوا على الاتفاق؟ متى ستبدأ الهدنة؟
عندما جاءت الأخبار من الدوحة بتوقيع الاتفاقية، صفق الناس وهللوا وهتفوا وهتفوا بالثناء. لم يكن الأمر هذه المرة مجرد شائعة، بل كان الخبر حقيقيًا. وللمرة الأولى منذ بدء الحرب، خلد الناس إلى النوم بشعور من الارتياح، وشعروا بأنهم سيستيقظون قريبًا من كابوس طويل.
لكن سلامهم لن يدوم طوال الليل. فقد استيقظ الفلسطينيون على صوت انفجار هائل حطم هدوء الليل. كانت طائرة حربية إسرائيلية قد قصفت إحدى الخيام، وقضت على عائلة بأكملها - أو ربما عدة عائلات. كانوا قد أووا إلى فراشهم قبل لحظات فقط وهم يشعرون ببهجة الخلاص القريب، لكن إسرائيل قررت أن تطفئ سعادتهم إلى الأبد.
أهمية الفرح في مواجهة الألم
لماذا سيفرح الفلسطينيون في غزة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؟ خزان المآسي والمعاناة عميق. لم تسلم أي أسرة من نصيبها من الحسرة خلال حرب الإبادة الجماعية هذه - سواء من خلال قتل الأحبة أو تدمير المنازل أو فقدان الممتلكات أو أشهر من الجوع والخوف.
الفرح كفعل مقاومة
هذه الخسائر لا تُحصى. لكننا في غزة متعطشون للفرح الذي يمكّننا من إصلاح حياتنا الممزقة والبدء من جديد.
شاهد ايضاً: من المسؤول عن حريق فندق التزلج في تركيا؟
لهذا السبب كافح الشعب الفلسطيني للتغلب على آلامه العميقة وخلق لحظات من الفرح رغم كل المصاعب. الفرح هو فعل مقاومة.
عندما دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، عدنا إلى منازلنا المدمرة. بحثنا بين الأنقاض، على أمل أن تكون بعض شظايا ذكرياتنا قد نجت من آلة الدمار الصهيونية. سينقل الناس خيامهم وينصبونها على أنقاض منازلهم. سنزور قبور أحبائنا.
العودة إلى المنازل المدمرة: البحث عن الذكريات
لست متأكدة ما إذا كنت سأجد قبر ابني الشاب عبد الله الذي استشهد في بداية الحرب ودفنته في مقبرة في رفح، والتي أجبرنا على تركها قبل ثمانية أشهر. وتفيد التقارير أن الدبابات والجرافات الإسرائيلية قامت بتسوية المقبرة بالأرض بعد ذلك وطمس القبور.
سأذهب إلى هناك بنفسي للتأكد من ذلك. إذا كان قبره لا يزال على حاله، فسأجلس بصمت بجانبه وأتحدث إلى عبد الله. سأعتذر عن عدم قدرتي على حمايته من هذا الوحش. كان عبد الله يعتقد أن الأب هو مصدر الأمان والقوة، شخص يستطيع أن يحميه من كل مخاطر الحياة.
أتمنى أن أتمكن من البكاء. لقد حبست دموعي منذ بدء الحرب لأننا لم نحظَ بفرصة للحزن.
سأتجول في الشوارع المدمرة: هنا كانت مدرستي، والزقاق الذي كنت ألعب فيه، والمسجد الذي كنت أصلي فيه. لقد مُحيت كل هذه الذكريات. رفح لم تعد موجودة.
لكننا سنعود. سيعود أهالي رفح وينصبون الخيام ويبدأون معركة الحياة من جديد. لن يكون ذلك سهلاً، فلا توجد منازل ولا بنية تحتية ولا كهرباء. لكن إرادتنا في البقاء على قيد الحياة قوية.
لقد تجاوزنا أصعب مراحل الحرب. قبل أشهر فقط، شعرنا أنه لا أمل لنا في البقاء على قيد الحياة. كل ما نريده الآن هو أن يتوقف عدد الشهداء عن الارتفاع. عندما يحدث ذلك، ستشتعل من جديد قوة دافعة بداخلنا تدفعنا لخوض معركة إعادة البناء والنهوض من تحت الأنقاض.
أخبار ذات صلة

منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة

كيف تُحَرف ألمانيا القانون الدولي لاستمرار بيع الأسلحة لإسرائيل

تركيا: حماس لم تنقل مكاتبها إلى البلاد، بحسب مصادر
