فلسطين في مرآة الواقع المعقد والمظلم
محمود درويش يسلط الضوء على واقع الفلسطينيين في ظل الصراع مع إسرائيل. من الهزيمة إلى الشهرة، تتكشف الأحداث الأخيرة في غزة، مما يكشف عن الديناميكيات المعقدة للقضية الفلسطينية. تعرفوا على الحقيقة الصعبة وراء المفاوضات.

"هل تعلمون لماذا نحن الفلسطينيون مشهورون؟ لأنكم أعداؤنا. الاهتمام بنا ينبع من الاهتمام بالقضية اليهودية. الاهتمام بكم وليس بي"، هذا ما قاله الأديب الفلسطيني محمود درويش ذات مرة في مقابلة معه.
وأضاف: "من سوء حظنا أن إسرائيل عدونا لأنها تتمتع بدعم غير محدود. ومن حسن حظنا أن تكون إسرائيل عدونا لأن اليهود هم مركز الاهتمام. لقد جلبت لنا الهزيمة والشهرة."
إن كلمات درويش تقدم للفلسطينيين مرآة ليس فقط لرؤية أنفسنا، بل لفهم الواقع الوحشي العبثي الذي نعيشه.
إنها تذكرنا بأن مصيرنا ليس استثنائيًا، كما أننا لسنا بمنأى عن اللامبالاة العنيفة التي تبتلع الشعوب العربية الأخرى التي تعيش في ظل أنظمة قمعية. ويذكروننا بأنه لا يمكن لأي قدر من التغطية الإعلامية "الخاصة" أن يغير من الكارثة المفروضة علينا، ولا أن يحمينا من العنف الذي يحدد وجودنا.
هذه الكلمات تبدو حيوية بشكل خاص الآن. إنها تساعدنا على فهم التسلسل المذهل للأحداث الأخيرة: من اعتراف الأمم المتحدة الذي طال انتظاره بدولة فلسطينية وهي خطوة رمزية أصبحت بلا معنى إلى القمة التي عقدت على عجل بين القادة العرب والمسلمين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث قاموا بإضفاء الطابع الرسمي على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
كل هذا جاء في أعقاب الاجتياح البري الإسرائيلي الأخير لمدينة غزة، والذي تميز باستشهاد عشرات الفلسطينيين يومياً.
ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ألقى ترامب خطاباً مظفراً أمام الكنيست الإسرائيلي، حيث زعم فيه أنه أنهى "3,000 عام من الألم والصراع"، ووعد بعهد جديد من السلام والازدهار.
عاصفة عاطفية
كان السيل اليومي من الأخبار عاصفة عاطفية بالنسبة للفلسطينيين، تمامًا كما كان الحال طوال العامين الماضيين من الإبادة الجماعية: تفاؤل عابر يعقبه يأس، وأمل حذر يغمره فزع متجدد - حسب العنوان ومصدره.
قد يعتقد أولئك الذين يأخذون كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على محمل الجد أن إسرائيل حققت جميع أهدافها في الحرب: الرهائن عائدون، وغزة ستكون منزوعة السلاح، ولن تشارك حماس أو السلطة الفلسطينية في "اليوم التالي"، والأهم من ذلك لن يكون هناك أي نقاش حول الدولة الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن أي شخص على استعداد للنظر إلى الواقع بموضوعية سيرى أن إسرائيل لم تنجح في هزيمة حماس؛ وأن الرهائن عادوا فقط من خلال صفقة فُرضت على نتنياهو؛ وأن العالم قد رأى الآن الوجه الحقيقي للمجتمع الإسرائيلي وأن عزلة البلاد الدولية لن تنتهي مع وقف إطلاق النار.
ومع ذلك، فإن الفوضى نفسها ليست عرضية. بل هي بيت القصيد. إنها تجسد جوهر عصر ترامب: قطب عقارات يستعين بـ صهره وصديقه للتوسط في وقف إطلاق النار في واحد من أعقد الصراعات في العالم، بينما يتعامل مع القضية الفلسطينية كمشروع عقاري.
ومثل أي صفقة عقارية، تتكشف العملية على مراحل، مع تأجيل القضية الأساسية إلى النهاية. فالتصريحات العلنية التي نسمعها من جميع الأطراف ليست استنتاجات، بل هي مواقف تفاوضية في مفاوضات مستمرة.
وكما هو الحال مع أي مفاوضات، كلما مر الوقت، كلما عرفنا أكثر من هم على الطاولة حقًا ومن هم ليسوا كذلك. كانت القمة الأخيرة في شرم الشيخ كاشفة: فقد زار ترامب إسرائيل، ثم مصر ولكن لم تتم دعوة إسرائيل أو حماس، على الرغم من أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حضر القمة.
المفاوضات الحقيقية تجري الآن مباشرةً بين الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة وهو واقع يكشف من الذي يملك السلطة الفعلية. من المغري أن ننظر إلى هذه الدول على أنها عاجزة في مواجهة واشنطن، إلا أنها أظهرت في هذه اللحظة أنها تمتلك النفوذ. والسؤال الحقيقي هو ما إذا كانوا يرغبون في استخدامها.
الحقيقة الصعبة
في أزمات عربية وإسلامية أخرى في السودان وليبيا واليمن وسوريا ولبنان تصرفت هذه الدول نفسها وفقًا لمصالحها الخاصة. وغزة ليست استثناءً. فلماذا إذن يفاجأ الفلسطينيون؟ لماذا نتوقع من الدول التي ساهمت في تدمير نصف العالم العربي أن تتصرف بشكل مختلف تجاهنا؟
ليس من قبيل المصادفة أن "تسريبات جديدة من البيت الأبيض تصف التنسيق الأمني العميق بين الدول العربية وإسرائيل خلال هذه الإبادة الجماعية بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الحرب السرية، وهي أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها إسرائيل في غزة، وكذلك المعلومات الاستخباراتية حول سوريا واليمن.
وهذا يكشف حقيقة قاسية: نجاحات إسرائيل العملياتية، من لبنان إلى إيران، ليست نتاج العبقرية الصهيونية، كما تدعي آلتها الدعائية بلا كلل. بل هي نتاج تحالف عسكري إقليمي إسرائيلي وعربي يرسم مستقبل الشرق الأوسط.
هذه الدول العربية والإسلامية نفسها، التي لا تزال تتنافس فيما بينها على السلطة والنفوذ، ترى في إسرائيل شريكًا مفيدًا في تقوية أو إضعاف الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
بعد مرور عامين على الإبادة الجماعية في غزة، وفي ظل سماء مثقلة بالفوضى ومستقبل غير واضح المعالم، على الفلسطينيين أن يواجهوا كلمات درويش بالكامل. وكغيرهم من الشعوب العربية، علينا أن نحسب حسابًا لقسوة النظام الإقليمي ولسهولة سحق حياة العرب والمسلمين تحت وطأة المصالح الاقتصادية، لا سيما تلك المرتبطة بإسرائيل.
ومن هنا، علينا أن نسأل: بعد كل ما شهدناه خلال العامين الماضيين، هل انقساماتنا الداخلية أخطر من الإبادة الجماعية نفسها؟ ما المستقبل الذي ينتظرنا إذا ما استمرت النخب الفلسطينية في خصوماتها التافهة، وجر بقية شعبنا نحو كارثة أخرى؟
أخبار ذات صلة

هجوم إسرائيل على قطر ينسف وعد مظلة الأمن الأمريكية للخليج

تهجير نواب بريطانيين يهدف إلى إخفاء الجرائم الإسرائيلية

هل سيفدي السيسي الفلسطينيين في غزة للحفاظ على دعم الخليج والولايات المتحدة لحكمه؟
