مآسي العمال الوافدين في السعودية تحتاج لإنقاذ
قالت هيومان رايتس ووتش إن عشرات العمال الوافدين في السعودية لقوا حتفهم في حوادث عمل مروعة كان يمكن تجنبها. التقرير يكشف عن تقاعس السلطات في التحقيق والتعويض، ويبرز ظروف العمل القاسية التي يواجهها هؤلاء العمال.

قالت منظمة هيومان رايتس ووتش يوم الأربعاء إن عشرات العمال الوافدين في المملكة العربية السعودية لقوا حتفهم في حوادث مروعة في أماكن العمل كان يمكن تجنبها، بما في ذلك السقوط من المباني والصعق بالكهرباء وقطع الرؤوس.
وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير جديد لها إن السلطات السعودية تقاعست باستمرار عن التحقيق في حالات الوفاة أو تعويض العائلات.
وبالاستناد إلى مقابلات مع العائلات والشهود والأخصائيين الاجتماعيين، رسمت النتائج التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش صورة قاتمة لظروف العمل في واحدة من أغنى دول العالم، حيث تتسارع وتيرة مشاريع البناء والبنية التحتية قبل كأس العالم لكرة القدم 2034 وغيرها من "المشاريع العملاقة" في إطار رؤية 2030.
تعتمد المملكة العربية السعودية بشكل كبير على العمالة الأجنبية لتشغيل اقتصادها. فمن بين سكانها البالغ عددهم حوالي 34 مليون نسمة، هناك أكثر من 13 مليون مهاجر، معظمهم من جنوب وجنوب شرق آسيا وأجزاء من أفريقيا، وفقاً لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة.
ويهيمن هؤلاء العمال على قطاعات مثل البناء والعمل المنزلي والصرف الصحي والضيافة، وغالباً ما يؤدون بعضاً من أخطر الوظائف وأقلها أجراً.
وعلى الرغم من القوانين السعودية القائمة التي تفرض تدابير السلامة المهنية ومساءلة أصحاب العمل، كشف التقرير عن إخفاقات منهجية في حماية العمال والتحقيق في حالات الوفاة وضمان التعويضات.
كما وثق التقرير أيضاً أنماطاً مقلقة من الوفيات التي يتم تصنيفها بشكل خاطئ على أنها "أسباب طبيعية"، حتى في الحالات التي تحدث فيها إصابات قاتلة في مواقع العمل.
قال مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "يجب أن تكون الحوادث المروعة التي تودي بحياة العمال الوافدين في السعودية بمثابة إنذار خطير للشركات ومشجعي كرة القدم والاتحادات الرياضية التي تسعى إلى إقامة شراكة مع الفيفا".
وأضاف أن الشركات الدولية "تواجه مسؤولية أكبر" في منع وقوع المزيد من الانتهاكات، في ظل غياب تدابير السلامة المناسبة وحماية العمال وأنظمة التعويضات.
وفيات غير مصنفة
أجرت منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات مع عائلات 31 عاملاً متوفياً، معظمهم من بنغلاديش والهند ونيبال، توفوا في المملكة العربية السعودية وتتراوح أعمارهم بين 23 و52 عاماً.
وفي العديد من الحالات، أفادت العائلات بأنها تُركت في غفلة عن سبب وظروف وفاة أقاربها. وفي كثير من الأحيان، كان أصحاب العمل يؤخرون أو يرفضون إعادة الرفات والمتعلقات الشخصية إلى أوطانهم، وفي بعض الحالات، كانوا يضغطون على العائلات لقبول الدفن في السعودية مقابل حوافز مالية متواضعة.
في إحدى الحالات، قال ابن رجل بنغلاديشي توفي صعقاً بالكهرباء إن صاحب العمل اشترط تعويض الأسرة مقابل الموافقة على دفن الأب في السعودية.
وقد رفضت الأسرة واضطرت إلى اقتراض أكثر من 4000 دولار لإعادة الجثمان إلى وطنه، إلا أنها لم تحصل على تعويض أقل من الدين المترتب عليها.
وحتى عندما تم توثيق حالات الوفاة رسمياً على أنها مرتبطة بمكان العمل، كانت التعويضات غير متسقة أو غير موجودة. وقالت إحدى الأرامل إن الأمر استغرق 10 سنوات للحصول على التعويضات المستحقة بعد وفاة زوجها؛ وانتظرت أسرة أخرى ما يقرب من 15 عاماً.
يدخل معظم العمال الوافدين إلى المملكة العربية السعودية بموجب نظام الكفالة، الذي يربط قانوناً وضع العامل المهاجر بصاحب العمل.
وعلى الرغم من الإصلاحات الأخيرة التي سمحت لبعض العمال بتغيير وظائفهم دون موافقة صاحب العمل، إلا أن العديد منهم لا يزالون عرضة للاستغلال والعمل القسري وسرقة الأجور وظروف العمل القاسية.
وفيات بشعة يمكن الوقاية منها
تناول التقرير أيضاً بالتفصيل حالات الوفاة التي كان من الممكن تفاديها.
فقد سقط عامل بناء بنغلاديشي يبلغ من العمر 48 عامًا من عمود مصعد في الطابق الخامس عندما انفك حزام الأمان الخاص به. وسحق رجل آخر بسبب سقوط كتل خرسانية.
وفي حادثة مروعة أخرى، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن عاملاً قُتل بسبب عطل في آلة بعد أن أعاد زميله تشغيلها عن طريق الخطأ أثناء الصيانة.
كما لا تزال الوفيات المرتبطة بالحرارة غير كافية. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية تدرج "الأمراض الناجمة عن التعرض لدرجات الحرارة القصوى" في قائمة المخاطر المهنية الرسمية، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش قالت إن هناك نقصاً كبيراً في تطبيق القانون والتحقيقات في حالات الوفاة الناجمة عن ضربات الشمس.
كما أفاد العمال أيضًا بعدم تلقيهم أي دعم في حالات الفجيعة بعد تعرضهم لحوادث مميتة، حيث أُجبر بعضهم على استئناف العمل في نفس اليوم.
وفي يوم الثلاثاء، أصدرت منظمة العفو الدولية أيضاً تقريراً سلطت فيه الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي تواجهها أكثر من 70 امرأة كينية يعملن كخادمات منازل في المملكة العربية السعودية.
وتناول التقرير بالتفصيل حالات الاغتصاب، وممارسات التوظيف الخادعة، والحرمان من الراحة، وعدم دفع الأجور، وظروف العمل غير الإنسانية.
ويأتي تقريرا منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في الوقت الذي يزور فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية في زيارة رفيعة المستوى، بهدف تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
غياب الرقابة
شاهد ايضاً: خطة ترامب في غوانتانامو تستند إلى "الحرب على الإرهاب" لتبرير سياسات الهجرة غير الإنسانية
انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش الفيفا لمنحها السعودية حقوق استضافة كأس العالم للرجال 2034 دون اشتراط توفير حماية عمالية قابلة للتنفيذ، أو تدابير لتخفيف الحرارة، أو تأمين إلزامي على حياة العمال.
وأبلغت الفيفا منظمة هيومان رايتس ووتش أنها ستطبق "نظاماً لرعاية العمال"، لكنها لم تقدم تفاصيل ملموسة حول كيفية منع الوفيات أو ضمان العدالة.
ولم ترد المنظمة على مخاوف محددة حول التعويضات أو تطبيق السلامة أو المساءلة بأثر رجعي عن الانتهاكات القائمة.
خلال استعدادات قطر لاستضافة كأس العالم 2022، أثارت حالات وفاة العمال وانتهاكات العمل المماثلة إدانة عالمية. وسلطت التحقيقات الإعلامية والجماعات الحقوقية الضوء على آلاف الوفيات غير المبررة للعمال، والمرتبطة بالحرارة الشديدة والظروف غير الآمنة.
وعلى عكس الدول المستضيفة السابقة، أصبحت قطر نقطة محورية للغضب العالمي، حيث دعت اتحادات كرة القدم ومنظمات حقوق الإنسان وحتى رعاة الفيفا إلى إجراء إصلاحات.
وعلى الرغم من إرسال رسالة رسمية إلى السلطات السعودية في 25 مارس/آذار، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش قالت إنها لم تتلق أي رد على أسئلتها حول حماية العمال والضمان الاجتماعي.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية ادعت أنها تجري عمليات تفتيش روتينية وتطبق لوائح العمل، لكن النتائج التي توصلت إليها المنظمة تشير إلى أن التطبيق إما غير كافٍ أو أنه مقوض بسبب الفساد وسوء التصنيف.
أخبار ذات صلة

المحكمة تقضي بعدم احتجاز الطالبة التي تقاضي إدارة ترامب في الوقت الحالي

تظهر هذه الكتب الأربعة كيف أن همجية الإسرائيليين الأمريكيين هي على الجانب الخاسر من التاريخ

إعدام أكثر من 100 أجنبي في السعودية عام 2024
