ترودو يتنحى عن زعامة الحزب الليبرالي الكندي

بعد اثني عشر عامًا من قيادة جاستن ترودو، يتغير وجه الحزب الليبرالي الفيدرالي الكندي.

أعلن رئيس الوزراء المحاصر يوم الاثنين أنه سيتنحى عن زعامة الحزب الليبرالي بمجرد اختيار شخص جديد خلال الشهرين المقبلين. قاد ترودو حزب يسار الوسط منذ عام 2013 وانتُخب رئيسًا للوزراء في حكومة الأغلبية في عام 2015.

في عام 2019، أدى تضاؤل الدعم إلى إعادة انتخاب الليبراليين ولكن كحكومة أقلية، ثم أعقب ذلك نتيجة مماثلة في الانتخابات الفيدرالية لعام 2021. لا يوجد في كندا نظام محدد المدة مثل جارتها الجنوبية.

على مدى الأشهر الستة الماضية، نجا ترودو من عدة اقتراحات بحجب الثقة تقدم بها حزب المحافظين المعارض. لكنها هُزمت جميعًا عندما قام أعضاء الحزب الديمقراطي الجديد الأصغر حجمًا وحزب الكتلة الكيبيكية بدعم رئيس الوزراء. ولكن منذ الشهر الماضي، أراد كلا الحزبين أن يستقيل.

يأتي إعلان ترودو في أعقاب فقدان الدعم من 24 عضوًا ليبراليًا على الأقل من أعضاء البرلمان الليبراليين الذين حثوه على التنحي والاستقالة المفاجئة قبل ثلاثة أسابيع فقط لنائبة رئيس الوزراء كريستيا فريلاند، التي شغلت أيضًا منصب وزير المالية

وقال ترودو للصحفيين خارج مقر إقامته في أوتاوا يوم الاثنين: "لقد أصبح من الواضح بالنسبة لي أنه إذا اضطررت إلى خوض معارك داخلية، فلن أكون الخيار الأفضل" في الانتخابات المقبلة.

وأضاف: "سأكون دائمًا مدفوعًا بما يصب في مصلحة الكنديين". وتابع: "الحقيقة هي أنه على الرغم من كل الجهود المبذولة في هذا الوقت، فإن البرلمان مشلول منذ أشهر بعد أطول جلسة لبرلمان أقلية في تاريخ بلادنا".

والآن، يقوم ترودو بتعليق عمل البرلمان - أي تعليقه مؤقتًا - حتى 24 مارس، أي حتى الأسابيع القليلة الأولى من رئاسة ترامب، وهو ما سيسمح للحكومة الكندية باتخاذ أي إجراءات ضرورية دون إشراك المشرعين.

وقال: "أي شخص كان يراقب السياسة عن كثب على مدى الأشهر التسعة الماضية سيعرف أن البرلمان قد استولى عليه بالكامل من خلال العرقلة والمماطلة وانعدام الإنتاجية تمامًا خلال الأشهر القليلة الماضية".

وأضاف: "لقد حان الوقت لكي تنخفض درجة الحرارة، ولكي يحصل الناس على بداية جديدة في البرلمان، ولكي يتمكنوا من الإبحار في هذه الأوقات المعقدة، على الصعيدين المحلي والدولي. إن إعادة الضبط. هو إعادة النظر في الدستور لكن الجزء الآخر هو الاعتراف بأن إزاحتي من المعادلة كزعيم سيخوض الانتخابات المقبلة عن الحزب الليبرالي".

وفي الفترة التي سبقت هذا الإعلان، توجه ترودو نفسه وأعضاء حكومته إلى فلوريدا للقاء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لحثه على التراجع عن تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على البضائع الكندية ما لم تعزز كندا أمن الحدود لمنع عبور المهاجرين غير الشرعيين والمخدرات إلى الولايات المتحدة.

وفي حين أن هذه الأرقام ضئيلة للغاية مقارنة بالحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، إلا أن هذه القضية هيمنت على التغطية الإخبارية الكندية وتسببت في قلق عميق بين الكنديين الذين يكافحون تضخم الأسعار.

ويكافح الليبراليون من أجل وضع خطة لاسترضاء الجارة الجنوبية الأقوى والأكثر تأثيرًا في كندا، وقد استغل المحافظون هذه القضية وأعلنوا أن ترودو غير مؤهل للقيادة إذا لم يستطع الأمريكيون احترامه.

غزة

عندما كان ترودو رئيسًا للوزراء، كان كثيرًا ما يجاهر بدعمه للعرب والمسلمين في كندا، وعين عددًا منهم في حكومته. ولم يكن من غير المألوف بالنسبة له زيارة المساجد والمؤسسات المماثلة، حيث أقام علاقات قوية مع قادة الجالية.

ولكن بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل والهجوم الإسرائيلي اللاحق على غزة الذي خلف حتى الآن أكثر من 45,000 شهيد معروف - وهي حرب شنتها إسرائيل من خلال "أعمال إبادة جماعية" وفقًا للأمم المتحدة - تصاعد الغضب سريعًا من تعامل ترودو مع الأمر.

مثل الولايات المتحدة، تصنف كندا حماس كمنظمة إرهابية، وأصر ترودو على أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن داخل تجمعه الحزبي المتنوع، كان هناك غضب شديد، وطالبه أكثر من عشرين عضوًا بالدعوة إلى وقف إطلاق النار.

وفي غضون شهرين، في كانون الأول/ديسمبر 2023، صوتت كندا - مخالفةً بذلك حلفاءها الغربيين - لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. ولكن، بعد ذلك بوقت قصير، كان على حكومة ترودو أن تشرح أن هذا الإجراء لا يعني بأي شكل من الأشكال تخليها عن موقفها المؤيد بشدة لإسرائيل.

ومنذ ذلك الحين، صوّت البرلمان الكندي على اقتراح غير ملزم إلى حد كبير بتعليق شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وقال ترودو نفسه إن كندا ستفي بالتزامها كعضو في المحكمة الجنائية الدولية وستعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا كان خاضعًا للولاية القضائية الكندية.

وطالب خطاب وقعه أكثر من 50 موظفًا ليبراليًا عربيًا ومسلمًا في آب/أغسطس ترودو بأن "يستيقظ" بشأن غزة و"إدانة إسرائيل على جرائم الحرب العديدة التي ارتكبتها وعلى خطاب الإبادة الجماعية الذي يصدر عن أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي".

تراث

وصف ترودو البالغ من العمر 53 عامًا، والذي كان والده بيير ترودو رئيسًا للوزراء أيضًا في الفترة من 1968 إلى 1984، نفسه بأنه زعيم مؤيد بشدة للهجرة، واشتهر باستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين بدءًا من عام 2015، في ذروة الحرب الأهلية في ذلك البلد. وفي غضون ثلاث سنوات، تجاوز هذا الرقم 60,000 لاجئ.

وقد شهد البلاد خلال فترة رئاسة ترامب الأولى التي اتسمت بالفوضى، حيث كانت كندا هدفًا للرسوم الجمركية الباهظة على الصلب والخشب، وتعرض ترودو نفسه لهجوم شخصي من قبل مساعدي ترامب.

واضطرت كندا بعد ذلك إلى إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية - التي كانت سارية منذ الثمانينيات - للسماح بدخول المزيد من المنتجات الأمريكية إلى السوق الكندية.

كما حثت إدارة ترامب كندا على اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الصين. وفي عام 2018، وبناءً على طلب من الولايات المتحدة، أدى اعتقال كندا لابنة مؤسس شركة هواوي للاتصالات إلى سلسلة من الاعتقالات في الصين لجواسيس كنديين مزعومين.

وتم إطلاق سراحهم جميعًا فيما بدا أنه تبادل غير رسمي للسجناء في عام 2021، والذي بشرت به الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن.

ووصفت هيئة الإذاعة الكندية العامة (CBC News) قيادة ترودو للكنديين خلال جائحة كوفيد-19 بأنها أقرب إلى كونه "رئيس وزراء في زمن الحرب". لكن دعوته لإجراءات الإغلاق الآمن وتفويضات اللقاح أدت في نهاية المطاف إلى احتجاجات عنيفة لليمين المتطرف في العاصمة أوتاوا.

في أعقاب الجائحة، ارتفع معدل التضخم في كندا بمعدل ترك الكثير من سكان البلاد يعانون من ركود الأجور. أدت سنوات من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والرهون العقارية، إلى جانب زيادة أعداد المهاجرين من جنوب آسيا على وجه الخصوص، إلى موجات من المشاعر المعادية للمهاجرين في جميع أنحاء البلاد، وكان يُنظر إلى ترودو على أنه المسؤول عن كل ذلك.

حوالي 30 في المائة من جميع المهاجرين إلى كندا في أي عام من هذا العقد هم من الهند، حيث شهدت الهجرة الهندية إلى كندا قفزة بأكثر من 300 في المائة خلال فترة رئاسة ترودو للوزراء.

ومع ذلك، وصلت علاقات كندا مع الهند إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في العام الماضي عندما علقت كلتا الدولتين عمل دبلوماسيي الدولة الأخرى.

وادعت الهند أن كندا أصبحت ملاذًا آمنًا للمتطرفين الخالستانيين. تهدف الحركة الخالستانية إلى إنشاء دولة منفصلة للسيخ في منطقة البنجاب الهندية. وبعد مقتل أحد أنصار القضية من السيخ الكنديين السيخ على الأراضي الكندية، وجه ترودو أصابع الاتهام إلى حكومة ناريندرا مودي الهندية، ووجهت الشرطة اتهامات لأربعة مواطنين هنود في القضية.