تجربة ميدانية لقوات كوريا الشمالية في أوكرانيا تعزز التحالف مع روسيا

على مدى أسابيع، استعدت القوات الأوكرانية لعدو غير مألوف: جنود كوريون شماليون أُرسلوا لتعزيز قوات موسكو بعد أن شنت أوكرانيا توغلاً سريعًا واستولت على أراضٍ في منطقة كورسك الروسية خلال الصيف.

شكّل وصولهم مرحلة جديدة ومثيرة للقلق في الحرب. وعلى الرغم من قلة خبرتهم في البداية في ساحة المعركة، إلا أن القوات الكورية الشمالية تأقلمت بسرعة , وهو تطور قد يكون له عواقب بعيدة المدى مع اكتسابهم المعرفة القتالية في الحرب ضد أوكرانيا.

وعلى عكس القوات الروسية التي تقاتلها أوكرانيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، كانت قوات كييف غير متأكدة مما يمكن توقعه من هذا الخصم الجديد، الذي انجذب إلى الحرب بعد أن وقعت موسكو وبيونغ يانغ اتفاقاً تعهدت فيه بالمساعدة العسكرية باستخدام "جميع الوسائل" إذا ما تعرضت أي منهما للهجوم.

وقد وصفهم أحد الجنود الأوكرانيين الذين شهدوا الكوريين الشماليين في المعركة بأنهم منضبطون ومنهجيون للغاية، قائلاً إنهم أكثر احترافية من نظرائهم الروس. تحدث الجندي إلى وكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بمناقشة هذه المسألة العسكرية الحساسة.

ومع ذلك، فقد شارك جنود آخرون، بما في ذلك القوات الخاصة الأوكرانية، لقطات من طائرات بدون طيار في ساحة المعركة على تطبيق المراسلة تيليغرام، ساخرين من تكتيكاتهم باعتبارها قديمة.

ومع ذلك، هناك إجماع بين الجنود الأوكرانيين والمخابرات العسكرية وغيرهم ممن يراقبون التطورات على الأرض: في حين أن قوات بيونغ يانغ كانت تفتقر إلى الخبرة في ساحة المعركة عند وصولها، إلا أن ذلك تغير بسرعة.

مع 1.2 مليون جندي، يصنف جيش كوريا الشمالية من بين أكبر الجيوش الدائمة على مستوى العالم. لكن مشاركاتها الخارجية في مرحلة ما بعد الحرب الكورية كانت محدودة، مما جعلهم يفتقرون إلى الخبرة في استخدام التقنيات الحربية الحديثة مثل الطائرات بدون طيار.

يقول أندري يوسوف، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية: "لأول مرة منذ عقود، يكتسب الجيش الكوري الشمالي خبرة عسكرية حقيقية". "هذا تحدٍ عالمي , ليس فقط لأوكرانيا وأوروبا، بل للعالم بأسره."

التعرف على وجود قوات كوريا الشمالية

على الرغم من التأكيدات الأوكرانية والأمريكية والكورية الجنوبية بأن بيونغ يانغ أرسلت ما بين 10 آلاف و12 ألف جندي للقتال إلى جانب روسيا في منطقة كورسك الحدودية، إلا أن موسكو لم تعترف علناً بوجود قوات كورية شمالية.

وفي حين ظهرت تقارير عن وجودهم لأول مرة في أكتوبر، لم تؤكد القوات الأوكرانية مشاركتها على الأرض إلا في ديسمبر.

ويقول محللون إنه بدون تدفق القوات الكورية الشمالية، كانت روسيا ستواجه صعوبة في متابعة استراتيجيتها الرامية إلى التغلب على أوكرانيا من خلال الزج بأعداد كبيرة من الجنود في معركة كورسك.

وبينما أوقع الهجوم المضاد الذي شنته موسكو في كورسك آلاف الضحايا الأوكرانيين، تمكنت قوات كييف المنهكة من الاحتفاظ بحوالي نصف مساحة 984 كيلومتر مربع (380 ميل مربع) التي استولت عليها في أغسطس/آب، رغم أن الوضع لا يزال متقلباً. وإلى جانب التأثير الرمزي لنجاح أوكرانيا في الاستيلاء على الأراضي الروسية، فإن السيطرة على كورسك يمكن أن تكون ورقة مساومة في أي مفاوضات لوقف إطلاق النار.

ووفقًا لوكالة الاستخبارات الأوكرانية، فإن الجنود الكوريين الشماليين يعملون جنبًا إلى جنب مع الوحدات الروسية، حيث توفر الأخيرة الدعم في مجال الاستطلاع والحرب الإلكترونية.

ويرتدي الكوريون الشماليون الزي العسكري الروسي ويحملون هويات عسكرية مزيفة في جيوبهم، وفقًا لتقرير صادر عن وحدة عسكرية أوكرانية رصدتهم في ساحة المعركة، ويمكن بسهولة الخلط بينهم وبين الجنود الروس.

هذه الحيلة تعني أن موسكو و"ممثلوها في الأمم المتحدة يمكنهم إنكار الحقائق"، كما قال يوسوف المتحدث باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية.

وقال يوسوف إن من بين الأشياء التي تثبت وجودهم أنه تم سماعهم يتحدثون الكورية بلهجة كورية شمالية في الاتصالات التي تم اعتراضها.

وقال إن القوات الكورية الشمالية تستخدم أسلحتها ومعداتها الخاصة بها وتعلمت التعامل مع الطائرات بدون طيار المحملة بالمتفجرات التي أصبحت رمزًا للحرب، وهي خبرة مباشرة لا تمتلكها حتى بعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.

وقال يوسوف: "هذا مستوى جديد من التهديد,يجب على دول المنطقة أن تستعد لما يعنيه ذلك في المستقبل."

الكوريون الشماليون يكتسبون خبرة لا تقدر بثمن في ساحة المعركة

كانت أخطاء الكوريين الشماليين المبكرة ناجمة إلى حد كبير عن قلة الخبرة، مثل التحرك في مجموعات كبيرة في أرض مفتوحة، مما يجعلهم أهدافًا سهلة للطائرات بدون طيار والقصف المدفعي.

ووفقًا لتقرير الوحدة العسكرية الأوكرانية، فقد تم رصد الجنود الكوريين الشماليين بسهولة أثناء تحركهم في طوابير في صف واحد عبر الغابة في مجموعات من ثلاثة أفراد، بحيث يكون هناك مسافة 3 إلى 5 أمتار (ياردة) بين الجنود. أما في الأراضي المفتوحة، فقد كانوا يتحركون في تشكيلات متفرقة مكونة من 5 إلى 15 جنديًا، مما يجعلهم عرضة للخطر ويؤدي إلى خسائر فادحة.

لكن خلال العمليات الليلية، كانت تحركاتهم سريعة أثناء الليل، وكانت الوحدات توجه نفسها باستخدام المصابيح الضوئية الحمراء على طول الطرق، حسبما ذكر التقرير.

وقال الجندي الأوكراني : "إنهم سريعون ومستعدون بدنيًا بشكل جيد ويتصرفون بدقة وفقًا لخوارزمياتهم". "إذا قمت بالتدريب على نفس الروتين لسنوات، لدرجة أنه يمكن تنفيذها معصوب العينين، فسوف يؤدي ذلك إلى نتائج."

وعلى الرغم من انضباطهم، إلا أن افتقارهم للخبرة القتالية أعاق فعاليتهم. وذكر الجيش الأوكراني أن القوات الكورية الشمالية تكبدت خسائر فادحة في كثير من الأحيان، حيث قُتل العديد منهم بطائرات بدون طيار.

وفي يوم الخميس، قدّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عدد القتلى والجرحى من الكوريين الشماليين بـ4000، على الرغم من أن تقديرات الولايات المتحدة أقل من ذلك، حيث بلغ عددهم حوالي 1200.

وقال غليب فولوسكيي، المحلل العسكري في مركز مبادرات CBA الأوكراني للأبحاث: "يستند جزء كبير من عقيدتهم العسكرية وتدريبهم على استراتيجيات وتجارب من أكثر من نصف قرن مضى".

يعود تاريخ تشكيلات المجموعات الكبيرة إلى الوقت الذي كانت فيه دقة المدفعية أقل بكثير، وكانت مراقبة تحركات القوات أكثر صعوبة. أما اليوم، فقد جعلت طائرات الاستطلاع وما يسمى بطائرات الاستطلاع بدون طيار أو ما يسمى بطائرات الرؤية الأولى أو FPV، التي تبث فيديو يسمح للجنود بضرب الأهداف في الوقت الحقيقي، ساحة المعركة شفافة للغاية، وأي شخص يخطو عليها دون غطاء، ناهيك عن التحرك في مجموعات، يتم رصده على الفور.

وقال فولوسكيي: "لكن المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يكتسبوا المهارات اللازمة لتحسين فعاليتهم القتالية، والتي يمكن أن تجعلهم قوة عسكرية كبيرة إلى جانب انضباطهم وتدريبهم".

سياسة عدم الاستسلام تعني قلة عدد أسرى الحرب الكوريين الشماليين

بعد أسابيع من القتال، أسر الجنود الأوكرانيون أسيري حرب فقط. وفي إعلانه عن عملية الأسر يوم السبت، قال زيلينسكي إن أسرهم أحياء "لم يكن سهلاً" بسبب الجهود المبذولة لإخفاء وجود الكوريين الشماليين وتجنب استجوابهم من قبل أوكرانيا.

وقال زيلينسكي إن الجنود الكوريين الشماليين يتجنبون الاستسلام بأي ثمن.

وقال محللون إن هذا قد ينبع من الدعاية الداخلية الكورية الشمالية التي تصور الأسر على أنه أقصى درجات الخزي.

وقال سيونغمين لي من مؤسسة حقوق الإنسان ومقرها نيويورك، والذي انشق عن كوريا الشمالية في عام 2009: "أن يتم أسره حياً يعتبر خيانة للبلد والقائد وكل ما يمثله".

وقال إن هذا الاعتقاد يتم غرسه منذ الصغر ويتم تعزيزه خلال التدريب العسكري. وقال لي: "بسبب العار المرتبط بالاستسلام، من المفترض أن يدخر الجنود الأبطال آخر رصاصاتهم لقتل أنفسهم".

وقال لي إنه شارك صور الجنود الكوريين الشماليين القتلى مع معارفه في الوطن. وقال: "معظم الكوريين الشماليين لا يعرفون حتى ما يجري".

وحذرت دوروثي كاميل شيا، نائبة سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، من المخاطر التي يشكلها التحسن السريع في مهارات القتال التي تكتسبها القوات الكورية الشمالية في ساحة المعركة في كورسك.

وقالت شيا أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المكون من 15 عضواً، يوم الأربعاء، إن كوريا الشمالية "تستفيد بشكل كبير من تلقي المعدات والتكنولوجيا والخبرة العسكرية الروسية، مما يجعلها أكثر قدرة على شن حرب ضد جيرانها".

وقالت إن من الفوائد المحتملة الإضافية المحتملة أن كوريا الشمالية "ستكون حريصة على الأرجح على الاستفادة من هذه التحسينات لتعزيز مبيعات الأسلحة وعقود التدريب العسكري على مستوى العالم".