تصعيد عسكري إسرائيلي ضد إيران في ظل الأزمات
تحت ضغط داخلي وخارجي، شنت إسرائيل هجمات غير مسبوقة على إيران، مما يهدد بتصعيد الصراع. نتنياهو يبرر الحرب بلغة دينية، بينما يواجه الجيش نقصًا في الأفراد. هل ستؤدي هذه الخطوة إلى الوحدة أم إلى عواقب وخيمة؟

في نفس اليوم الذي تجنبت فيه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصعوبة حل البرلمان وسط خلاف حول اقتراح بفرض الخدمة العسكرية على اليهود المتدينين المتشددين، شنت الدولة ضربة عسكرية غير مسبوقة على البنية التحتية النووية الإيرانية.
وكانت سلسلة الهجمات، التي استهدفت كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، إيذانًا ببدء حرب واسعة النطاق أطلق عليها نتنياهو اسم "عملية الأسد الصاعد"، في إشارة إلى آية توراتية يشبّه فيها النبي بلعام إسرائيل بالأسد الذي لن يهدأ له بال حتى يتم تأمين النصر.
المصطلحات الدينية ليست مصادفة. إنه استمرار لتقليد طويل من النخبة السياسية الإسرائيلية التي تستخدم لغة مسيانية لتأطير الحرب كمهمة مقدسة. وبهذه الطريقة، يقوم نتنياهو بأكثر من مجرد تبرير العنف؛ فهو يغلّفه بالهدف الإلهي.
ولكن هذا التصعيد يأتي في وقتٍ تترنح فيه إسرائيل بالفعل تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية.
فالجيش الإسرائيلي يواجه نقصًا في عدد الأفراد، في الوقت الذي يتصاعد فيه الاستياء الشعبي من عدم المساواة في أعباء الحرب بين العلمانيين والمتدينين المتشددين، بينما لا تزال مفاوضات الرهائن مع حماس تراوح مكانها. ومع استمرار الحرب ضد إيران الآن، يبدو أن أي جهود جادة لإنهاء الفظائع في غزة أو استعادة الأسرى الإسرائيليين قد تم التخلي عنها.
وعلى الرغم من العزلة الدولية المتفاقمة لإسرائيل، بما في ذلك مذكرات الاعتقال ضد نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، اختارت الدولة أن تذهب إلى أبعد من ذلك. ضرب نتنياهو مشروع إيران النووي، واثقًا من أن وسائل الإعلام العالمية ستضعه في إطار التحدي الإسرائيلي الوحيد.
في الحقيقة، كانت الولايات المتحدة على علم تام بالعملية واختارت عدم إيقافها. ويبدو أن واشنطن تنظر إلى التصعيد العسكري الإسرائيلي كوسيلة استراتيجية في مفاوضاتها مع طهران. وبينما دعا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو علنًا إلى وقف التصعيد، لا تزال الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية الأمريكية تتدفق إلى أيدي إسرائيل.
وقد أوضح الرئيس دونالد ترامب في رسالته على وسائل التواصل الاجتماعي موقف الولايات المتحدة: إذا رفضت إيران تقديم تنازلات، فإنها ستواجه المزيد من الضربات.
'تهديد وجودي'
بالنسبة لإسرائيل، فإن الأهداف تتجاوز الاحتواء النووي. فالهدف الحقيقي هو زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية، على الرغم من أن القادة الإسرائيليين يعلمون جيدًا أن إسرائيل يمكنها في أفضل الأحوال تأخير التقدم النووي الإيراني وليس وقفه.
ويعكس هذا التأطير ما قاله رئيس الوزراء السابق إسحق رابين، الذي وصف إيران بأنها "تهديد وجودي" في التسعينيات. فقد أدرك رابين أن إيران في ظل حكم آيات الله لم تكن تشكل خطرًا عسكريًا فحسب، بل تحديًا طويل الأمد لهيمنتها الإقليمية خاصةً في ظل افتقار إسرائيل إلى الردع ضد خصمٍ مسلح نووي وتدخلها المباشر في السياسة الإيرانية، بما في ذلك دعم نظام الشاه.
وقد استهدفت الضربة الافتتاحية لهذه الحرب شخصيات رئيسية في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والقيادة العسكرية الإيرانية، بالإضافة إلى كبار العلماء النوويين. نتنياهو ليس ساذجًا، فهو يعلم أن الانتقام أمر لا مفر منه. لكن حزب الله أشار إلى أنه لن يبادر بالهجوم، كما أن الضربات الإسرائيلية على الدفاعات الاستراتيجية الإيرانية في أكتوبر الماضي اعتبرت في تل أبيب فرصة تاريخية لكسر الجبهة الإيرانية.
وعلى الصعيد الداخلي، يدرك نتنياهو أيضًا أن الحرب تولد الوحدة. وبالفعل، بحلول صباح يوم الجمعة، اصطف جميع قادة المعارضة اليهودية تقريبًا أشد منتقديه خلف الحكومة.
ومع ذلك، أصدر الجيش الإسرائيلي تحذيرات صارمة: قد تكون عواقب هذه الحرب غير مسبوقة. فحتى في غياب رد إيراني كبير، تأتي الحرب بعد ما يقرب من عامين مرهقين من صراع متعدد الجبهات سحب عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من الحياة المدنية لفترات طويلة.
الاقتصاد الإسرائيلي في حالة ركود، وتكلفة المعيشة آخذة في الارتفاع، والتصدعات المجتمعية تتعمق مع دفع نتنياهو لعقيدة الحرب التي لا نهاية لها. لقد تحولت سمعة إسرائيل بالفعل إلى دولة منبوذة في المنطقة، وقرار ضرب المواقع النووية لا يهدد إيران فحسب بل المنطقة بأسرها بالتداعيات الإشعاعية المحتملة.
وتؤسس مثل هذه الهجمات سابقة عالمية خطيرة لإضفاء الشرعية على الهجمات على البنية التحتية النووية، بغض النظر عن العواقب.
الإرث السياسي
تمثل هذه اللحظة بالنسبة لنتنياهو اختبارًا للإرث السياسي. فبعد أن صاغ شخصيته منذ فترة طويلة كحارس للشعب اليهودي ضد "التهديدات الوجودية"، أمضى العقد الماضي يحذر بهوس من طموحات إيران النووية، مصورًا نفسه على أنه "السيد الآمن".
فمن توبيخه العلني للرئيس السابق باراك أوباما في خطاب ألقاه في عام 2015 أمام الكونغرس الأمريكي إلى التحالف مع إدارة ترامب لقتل الاتفاق النووي، بنى نتنياهو حياته المهنية على هذه المواجهة. ولكنه يعلم اليوم أن محاولة القيام بمناورة مماثلة في واشنطن مثل التدخل في المفاوضات المتجددة قد تثير غضب ترامب الذي لا يتسامح مع التدخل الإسرائيلي في السياسة الأمريكية، على عكس أوباما.
تمثل هذه الحرب قطيعة حادة مع نهج إسرائيل التاريخي في التعامل مع التهديدات الإقليمية. ففي العقود الماضية، فضلت إسرائيل تجنب الاشتباك العسكري المباشر، وبدلاً من ذلك كانت تضغط على الولايات المتحدة للقيام بالقتال (كما في العراق).
لكن مع استنفاد الدبلوماسية وتحول القوة الاستراتيجية من إسرائيل إلى دول الخليج كما يتضح من جولة ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط التي تخطت إسرائيل بالكامل يدرك نتنياهو أن الولايات المتحدة لم تعد ترى إسرائيل محور استراتيجيتها الإقليمية. فواشنطن منشغلة بالصين والحروب التجارية، وليس بحروب جديدة في الشرق الأوسط.
هناك مجموعة من العوامل المتضافرة التي دفعت نتنياهو إلى رمي النرد. ولكن خلافًا للحملات السابقة، هذه مقامرة بلا استراتيجية خروج واضحة. فثمن مهاجمة المنشآت النووية، والارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية والغموض الذي يكتنف حجم الانتقام الإيراني ترك الإسرائيليين في ضباب من القلق الوطني.
ومن السابق لأوانه تقييم العواقب الكاملة. وإذا ما نجح الهجوم في تحقيق أهدافه دون أن يؤدي إلى رد فعل عكسي واسع النطاق، فمن المرجح أن يعزز نتنياهو ليس فقط مكانته الانتخابية، بل إرثه كـ"مدافع عن الأمة اليهودية".
في المنطقة، ومع إعراب ترامب عن حماسه لجرأة إسرائيل، من الواضح أننا ندخل حقبة من سياسات القوة الغاشمة. فالشرعية والسوابق تُطرح جانبًا. ولكن إذا فشلت الحرب، أو كلفت إسرائيل ثمناً باهظاً، فقد يؤدي ذلك إلى نتيجة عكسية: انهيار سياسي وعزلة دبلوماسية وفصل آخر في تاريخ طويل من الحسابات الخاطئة في الشرق الأوسط.
وتبقى جميع الخيارات مطروحة على الطاولة.
أخبار ذات صلة

حصري: الولايات المتحدة أرسلت في صمت مئات من صواريخ هيلفاير إلى إسرائيل قبل هجوم إيران

تعتبر هجمات إسرائيل على إيران جريمة عدوان، وفقًا لخبراء قانونيين
