ذكريات منزلنا المفقود في غزة
في قصة مؤلمة، يروي كاتب عن ذكرياته في منزله الذي شهد الفرح والحزن، وكيف دمرت الحرب كل شيء. من العودة إلى الأمل المفقود، تعكس هذه التجربة مأساة النكبة المستمرة في غزة. اكتشفوا كيف تغيرت الحياة في لحظة.

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وضع والدي وشقيقاه حجر الأساس لمنزل عائلتنا في حي الرمال شمال غزة.
وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان المنزل يضم 13 وحدة سكنية وستة طوابق. بدأ الجيل الجديد من أشقائي وأبناء عمومتي بالزواج، وبحلول عام 2015، كنتُ آخر من تزوج وانتقل للسكن في المنزل؛ وبحلول ذلك الوقت، كان المبنى يضم 15 عائلة.
داخل تلك الجدران، ولدت وترعرعت. جميع ذكرياتي، نجاحاتي وإخفاقاتي، أفراحي وأحزاني، متجذرة في هذا المكان، الذي شهد أيضًا على لحظات رئيسية في النضال الفلسطيني، من الانتفاضة الأولى إلى الإبادة الجماعية المستمرة.
جاء نزوحنا الأول في 13 أكتوبر 2023. ولكن بعد أيام قليلة فقط، وبعد أن عجزنا عن تحمّل الابتعاد عن المنزل، قررتُ أنا وبعض أفراد عائلتي العودة قبل أن تغلق القوات الإسرائيلية الطريق المؤدية إلى غزة وتقيم ممر نتساريم الذي يفصل شمال غزة عن جنوبها.
بعد عودتنا إلى المنزل في 18 أكتوبر/تشرين الأول، بدأت محنتنا بشكل جدي. انقطعت الكهرباء والإنترنت والاتصالات. وأصبحت مياه الشرب نادرة، وواجهنا صراعًا يوميًا من أجل البقاء على قيد الحياة.
في ديسمبر 2023، تعرض منزلنا للقصف للمرة الأولى. فقد حاصر الجيش الإسرائيلي حيّنا، وسقطت قذيفة مدفعية على شقتي. خلال ما يقرب من شهرين من الحصار المحكم، أصيب منزلنا عشرات المرات بنيران المدفعية والطائرات بدون طيار. وفي إحدى المرات، اشتعلت النيران فيه بينما كنا لا نزال بداخله.
كان كل يوم لا يوصف.
اختفى الحي
على الرغم من الخطر المحيط بنا، بقينا صامدين وصابرين حتى هدنة يناير 2025، عندما عاد أقاربنا إلى ديارهم. أعدنا بناء ما استطعنا بناءه، وتقاسمنا الطعام والماء والفرش مع أكثر من 20 عائلة أخرى.
تمكنا من إعادة المياه والكهرباء والإنترنت بتكلفة باهظة للغاية، لكن لم يكن لدينا بديل. كان علينا أن نتشبث بهذا المنزل الذي كان لا يزال يؤوينا، حيث أن معظم مباني غزة كانت قد دمرت.
بينما عشنا أنا وزوجتي وطفليّ وطفلتينا في أصعب أيام حياتنا، فإن ما أبقانا صابرين ومنحنا القوة على التحمل هو وجود هذا المنزل، المكان الذي لا يزال بإمكاننا العودة إليه لنجد فيه قدراً من الأمان والكرامة.
ثم جاء أمر الإخلاء الثاني لشمال غزة. في شهر سبتمبر/أيلول، استهدفت القوات الإسرائيلية سطح بنايتنا بالقنابل التي ألقتها المروحيات الرباعية، مما تسبب في أضرار جسيمة في منزلنا، وخاصة في المنطقة التي كنت أنام فيها.
هربنا جنوبًا. تركت كل شيء ورائي: كل ذكرياتي، وكل الجهد الذي بذلته لسنوات في تأثيث شقتنا بأحدث الديكورات والأجهزة الكهربائية والأثاث. تركت كل ذلك من أجل البقاء على قيد الحياة، متمسكًا بأمل العودة قريبًا.
واليوم، ومع بدء سريان وقف إطلاق النار أخيرًا، وبعد عامين كاملين من بدء هذه الإبادة الوحشية التي ألقت خلالها إسرائيل عشرات الآلاف من الأطنان من المتفجرات على غزة، أي ما يعادل ستة صواريخ هيروشيما، عدنا لنرى ما تبقى من منزلنا.
لم نجد شيئًا سوى كومة من الحجارة. كان لا يمكن التعرف عليه. كان الحي بأكمله قد اختفى، كما لو أن زلزالاً هائلاً قد ضربه. اختفت جميع المنازل والجدران والشوارع.
كانت شقتنا العائلية التي تبلغ مساحتها 145 مترًا مربعًا تحمل الكثير من الذكريات الجميلة: زواجنا، وولادة طفلينا الجميلين، والألعاب، والعطلات، والوجبات العائلية. ولكن بعد 7 أكتوبر 2023، تغير كل شيء. أصبحت مكانًا للخوف والقلق والضغط النفسي والصمت المتوتر والجوع.
علاقتي بمنزلنا عميقة. لا أنتمي إلى أي مكان آخر. لقد كان عزائي وملاذي الدافئ واللطيف الذي لم أشتكِ أبدًا من وزني أو همومي. حتى عندما كنت أبحث عن مكان آخر أقيم فيه مؤقتًا، كنت أتشبث بأمل العودة.
اليوم، لم يعد ذلك ممكنًا. لقد سُوي منزلنا بالأرض، وتلاشت معه آمالي وأحلامي. لقد ضعت مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الأبد. لم أعد أعرف إلى أين أذهب، أو ماذا أفعل، أو كيف يمكن للحياة أن تستمر.
لأن هذا الوطن، وهو واحد من بين عشرات الآلاف التي دمرتها إسرائيل، لم يكن مجرد حجر وذكريات. لقد كان وطنًا داخل وطن.
أخبار ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعترضرعلى الأقل ثلاث سفن في أسطول الصمود المتجه إلى غزة

تسليم الشرطة البريطانية ملف الجرائم الحربية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في السودان

جامعة برينستون متورطة في حروب غزة والسودان، حسب تقرير
