وورلد برس عربي logo

مجاعة غزة وأفكار الموتى في صمت الجوع

في غزة، يموت الناس جوعًا بينما تتواصل معاناتهم. كيف يشعرون في لحظاتهم الأخيرة؟ هل يتذكرون وجباتهم الأخيرة أم يشعرون بالخيانة؟ استكشفوا قصص الجوع والمعاناة في هذا المقال المؤلم الذي يعكس واقع الحياة في القطاع.

رجل يحمل طفلاً نحيفاً في غرفة تتسم بالخراب، يعكس معاناة الجوع وسوء التغذية في غزة خلال الأزمات الإنسانية.
طفل فلسطيني يبلغ من العمر 13 عامًا، تقول عائلته إنه يعاني من سوء التغذية، يحمله والده في منزلهما بمخيم البريج للاجئين في غزة بتاريخ 12 أبريل 2025 (إياد بابا/وكالة الصحافة الفرنسية)
شارك الخبر:
FacebookTwitterLinkedInEmail

في يوم الأحد وحده، توفي ما لا يقل عن 18 فلسطينيًا بسبب الجوع في غزة، حيث تواصل إسرائيل فرض سياسة التجويع الممنهج على سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة.

لقد طاردتني فكرة: ما الذي يدور في ذهن شخص ما وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الجوع؟

في كل مرة أحاول فيها إلهاء نفسي، يظهر إشعار على شاشتي باسم آخر، وموت آخر بسبب المجاعة، مما يعيدني إلى هذه الحلقة التي لا هوادة فيها. بماذا فكروا في النهاية؟

شاهد ايضاً: الذين لا يزالون ينكرون الإبادة الجماعية في غزة متورطون في فظائع إسرائيل

لديّ فكرة عما يدور في ذهن الشخص وهو على وشك أن يُقتل في غارة جوية. معظم الناس في غزة يفعلون ذلك. لقد راودتنا تلك الأفكار مرارًا وتكرارًا لدرجة أنها راسخة في جهازنا العصبي؛ ولن تغادرنا أبدًا بشكل كامل، حتى بعد عقود من انتهاء هذه الإبادة الجماعية.

أفهم أيضًا نوع الأفكار التي تستحوذ على الناس الذين يموتون بسبب نقص الرعاية الطبية. لقد عشت تلك اللحظة مع شخص قريب جدًا مني. نظرت في عيونهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. كدت أسمع أفكارهم.

لكن الموت جوعاً أمر مختلف. تخيلت شخصًا مستلقيًا على سرير، يحتضر في صمت تام صمت قوي جدًا لدرجة أنه قادر على قتل العظام والعضلات واللحم والدم. صمتٌ أقوى من 125,000 طن من المتفجرات التي أُلقيت على غزة على مدار الـ 21 شهرًا الماضية. صمت يبقي الحدود مغلقة والغذاء ممنوعاً من الدخول.

شاهد ايضاً: إسرائيل تلقي قنابل حارقة ومتفجرة على منازل وخيام مدينة غزة

ما الذي يشعرون به وهم يعلمون أنهم نجوا من آلاف الغارات الجوية والقذائف المدفعية والإعدامات الميدانية والأوبئة وانهيار النظام الصحي، ليموتوا فقط لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان للبقاء على قيد الحياة؟

هل يشعرون بالخيانة الإنسانية؟

يتذكرون الوجبة الأخيرة

أم أنهم فقط يفكرون في الطعام، ويشتهونه؟ هل يتخيلون أنفسهم حول مائدة كبيرة، محاطين بالعائلة، والبخار يتصاعد من الأواني الساخنة، والضحكات في الهواء، وقرقعة الملاعق والشوك على الأطباق الزجاجية؟

شاهد ايضاً: تركيا تبني ملاجئ قنابل في جميع أنحاء البلاد

هل يحاول عقلهم الفاشل تذكر آخر وجبة تناولوها؟ هل يبدأ في خداعهم برائحة الطبق المفضل لديهم؟

ربما يكون الطعام هو آخر ما يفكرون به في تلك اللحظة. ربما، ولأول مرة منذ شهور، يشعرون بالشبع ليس في معدتهم، بل في روحهم. ربما يكون هناك إحساس بالامتلاء؛ لم يعد بإمكانهم أن يفقدوا أجزاء من أنفسهم، أجزاء من كرامتهم، وهم يقفون في طابور للحصول على وجبة ساخنة أو يركضون وسط وابل من الرصاص بين الحشود الجائعة بالقرب من موقع توزيع المساعدات.

ربما فهموا أخيرًا أن الأمر لم يكن يستحق كل هذا العناء، وأن العالم لا يستحق محاولاتهم اليائسة للبقاء على قيد الحياة وأن يكونوا جزءًا منه. وأنهم، وللمرة الأولى في حياتهم، قد تحرروا من الاحتلال، بينما لا تزال أمم العالم محتلة.

شاهد ايضاً: مسؤول باكستاني كبير يستهدف ابن الشاه الإيراني المخلوع

لطالما آمنت بأن سيارات الأجرة هي انعكاس لما يحدث في مجتمع ما. تصعد إلى السيارة، فتنغمس على الفور في أحاديث عن ارتفاع الأسعار، والحرارة التي لا تطاق، والتحليلات السياسية الحتمية من السائقين والركاب، والتي دائماً ما تطول الرحلة.

عندما كنت لا أزال أمتلك سيارتي، قبل أزمة الوقود، كنت أفتقد تلك الاتصالات الخام غير المصفاة. بين الحين والآخر، كنت أترك سيارتي متوقفة وأستقل سيارة أجرة، فقط لأختبرها مرة أخرى.

في الأسبوع الماضي، وأنا في طريقي إلى العمل، ركبت سيارة أجرة حيث كانت امرأة شابة تحمل طفلاً حديث الولادة. تحت أشعة الشمس الحارقة وفي ظل الحرارة الخانقة، نظرت إلى الرضيع النائم في حضن أمه وقلت "يا للطفل المسكين، يبدو حاراً".

شاهد ايضاً: إسرائيل تشن غارات على سوريا بعد ساعات من إطلاق صواريخ نحو مرتفعات الجولان المحتلة

أجابت: "إنه يشعر بالنعاس فقط". "لم ينم طوال الليل".

سألتها عن السبب. قالت: "إنه لا يحصل على ما يكفي من الرضاعة الطبيعية". "سآخذه إلى الطبيب."

الذهاب إلى الفراش جائعاً

ومضت تشرح أن طفلها البالغ من العمر شهرًا واحدًا كان يعاني من سوء التغذية الحاد. فقد كان وزنه في السابق حوالي 3.8 كيلوغرامات، ولكن بدلاً من أن يزداد وزنه، انخفض وزنه الآن إلى 3.3 كيلوغرامات. وأخبرتني أن حليب ثديها لم يعد يحمل ما يكفي من العناصر الغذائية لأنها هي نفسها تعاني من سوء التغذية، ولا يمكنها العثور على حليب الأطفال في أي مكان.

شاهد ايضاً: إسرائيل تمنع الأطباء من دخول غزة بينما يموت الفلسطينيون جوعًا

قبل بضعة أسابيع، شاركت سيارة أجرة مع امرأة وابنتها. كانت الطفلة الصغيرة فضولية ومرحة وظلت تلمس حقيبتي وترمقني بنظرة خاطفة بحثًا عن رد فعل. ابتسمت وتماشيت معها لبعض الوقت قبل أن ألتفت إلى والدتها وأقول "بارك الله فيها. كم عمرها؟"

أجابت المرأة: "خمسة أعوام". ابتسمت مرة أخرى، ثم استدرت لأنظر من النافذة، وفكرت: هذه ليست يد طفلة في الخامسة من عمرها. كانت يدها صغيرة ونحيفة للغاية، حتى بالنسبة لطفلة في الثالثة من عمرها.

لقد فقدت حقًا عدد الأمهات اللاتي التقيت بهن في طريقي إلى العمل، متوجهات إلى المستشفيات مع أطفالهن، ضعاف، غارقين في الجوع.

شاهد ايضاً: منطقة بريستول الخالية من الفصل العنصري: حملة طرق الأبواب لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية

هذه هي قصص سيارات الأجرة في غزة الآن، لقطات لسكان بأكملهم يضيعون بهدوء.

لكن الأمر لا يقتصر على سيارات الأجرة فقط. إنها الصيدليات ذات الرفوف الفارغة، والمستشفيات الخالية من الإمدادات، والأسواق الخالية من المواد الغذائية، والمنازل التي يذهب أطفالها إلى الفراش جائعين ليلة بعد ليلة.

إن ما يحدث في سيارات الأجرة في غزة ما هو إلا نافذة واحدة على مجتمع يعاني من الجوع في كل جانب من جوانب الحياة.

أخبار ذات صلة

Loading...
تصاعد دخان أسود من منشأة نفطية في إيران بعد الهجمات الإسرائيلية، مما يعكس التوترات المتزايدة في أسواق النفط.

ستضطر إيران للمخاطرة بكل شيء على أمل أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إنهاء الحرب

في خضم التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، يترقب العالم تأثير هذه الحرب على أسواق النفط. رغم الهجمات المتبادلة، فإن الأسعار تبقى تحت السيطرة، حيث لم تؤثر بشكل كبير على الإنتاج. هل ستتغير الأمور قريباً؟ تابعوا معنا لمعرفة المزيد عن مستقبل الطاقة في هذه الأوقات الحرجة.
الشرق الأوسط
Loading...
رجلان مسنّان يجلسان بجوار جدار، أحدهما يعبر عن مشاعر الحزن والألم بينما يغطي الآخر وجهه بيديه، في ظل الأوضاع الصعبة في غزة.

إسرائيل تستأنف قصف غزة: "واحدة من أكثر الليالي رعبًا في الحرب"

في قلب غزة، حيث تتعالى أصوات الطائرات الحربية، يعيش الأهالي لحظات رعب لا تُنسى. تتوالى الغارات وتشتعل الفوضى، بينما يختلط صراخ الأطفال بقلق الكبار. كيف يمكن للإنسان أن يتحمل كل هذا؟ انضم إلينا في استكشاف هذه القصة المؤلمة التي تعكس واقع الحرب ومعاناة المدنيين.
الشرق الأوسط
Loading...
أضرار جسيمة في محطة كهرباء بصنعاء جراء غارات جوية إسرائيلية، مع تصاعد الدخان من الحطام بعد الهجوم.

غارات جوية إسرائيلية على اليمن تسفر عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل، حسبما أفادت الحوثيون

في تصعيد دراماتيكي، شنت إسرائيل غارات جوية على صنعاء والحديدة، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص، في رد على هجمات الحوثيين بالصواريخ. هل ستؤدي هذه التطورات إلى تصعيد أكبر في الصراع؟ تابعوا التفاصيل الكاملة لتفهموا أبعاد هذه الأحداث المثيرة.
الشرق الأوسط
Loading...
رجال يحملون جثة على نقالة في شوارع غزة المدمرة، وسط debris من القصف، مما يعكس تأثير الصراع المستمر على المدنيين.

هل كان يحيى السنوار العقبة أمام السلام كما صورته الولايات المتحدة؟

بينما تتصاعد التوترات في غزة، يبرز مقتل يحيى السنوار كحدث مفصلي قد يعيد تشكيل مسار الصراع. فهل سيكون لهذا الحدث تأثير حقيقي على مفاوضات وقف إطلاق النار، أم أن العقبات ستظل قائمة؟ اكتشف المزيد عن التحديات التي تواجه حماس وإسرائيل في ظل هذه الظروف المتغيرة.
الشرق الأوسط
الرئيسيةأخبارسياسةأعمالرياضةالعالمعلومصحةتسلية