مجاعة غزة وأفكار الموتى في صمت الجوع
في غزة، يموت الناس جوعًا بينما تتواصل معاناتهم. كيف يشعرون في لحظاتهم الأخيرة؟ هل يتذكرون وجباتهم الأخيرة أم يشعرون بالخيانة؟ استكشفوا قصص الجوع والمعاناة في هذا المقال المؤلم الذي يعكس واقع الحياة في القطاع.

في يوم الأحد وحده، توفي ما لا يقل عن 18 فلسطينيًا بسبب الجوع في غزة، حيث تواصل إسرائيل فرض سياسة التجويع الممنهج على سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة.
لقد طاردتني فكرة: ما الذي يدور في ذهن شخص ما وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الجوع؟
في كل مرة أحاول فيها إلهاء نفسي، يظهر إشعار على شاشتي باسم آخر، وموت آخر بسبب المجاعة، مما يعيدني إلى هذه الحلقة التي لا هوادة فيها. بماذا فكروا في النهاية؟
لديّ فكرة عما يدور في ذهن الشخص وهو على وشك أن يُقتل في غارة جوية. معظم الناس في غزة يفعلون ذلك. لقد راودتنا تلك الأفكار مرارًا وتكرارًا لدرجة أنها راسخة في جهازنا العصبي؛ ولن تغادرنا أبدًا بشكل كامل، حتى بعد عقود من انتهاء هذه الإبادة الجماعية.
أفهم أيضًا نوع الأفكار التي تستحوذ على الناس الذين يموتون بسبب نقص الرعاية الطبية. لقد عشت تلك اللحظة مع شخص قريب جدًا مني. نظرت في عيونهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. كدت أسمع أفكارهم.
لكن الموت جوعاً أمر مختلف. تخيلت شخصًا مستلقيًا على سرير، يحتضر في صمت تام صمت قوي جدًا لدرجة أنه قادر على قتل العظام والعضلات واللحم والدم. صمتٌ أقوى من 125,000 طن من المتفجرات التي أُلقيت على غزة على مدار الـ 21 شهرًا الماضية. صمت يبقي الحدود مغلقة والغذاء ممنوعاً من الدخول.
ما الذي يشعرون به وهم يعلمون أنهم نجوا من آلاف الغارات الجوية والقذائف المدفعية والإعدامات الميدانية والأوبئة وانهيار النظام الصحي، ليموتوا فقط لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان للبقاء على قيد الحياة؟
هل يشعرون بالخيانة الإنسانية؟
يتذكرون الوجبة الأخيرة
أم أنهم فقط يفكرون في الطعام، ويشتهونه؟ هل يتخيلون أنفسهم حول مائدة كبيرة، محاطين بالعائلة، والبخار يتصاعد من الأواني الساخنة، والضحكات في الهواء، وقرقعة الملاعق والشوك على الأطباق الزجاجية؟
هل يحاول عقلهم الفاشل تذكر آخر وجبة تناولوها؟ هل يبدأ في خداعهم برائحة الطبق المفضل لديهم؟
ربما يكون الطعام هو آخر ما يفكرون به في تلك اللحظة. ربما، ولأول مرة منذ شهور، يشعرون بالشبع ليس في معدتهم، بل في روحهم. ربما يكون هناك إحساس بالامتلاء؛ لم يعد بإمكانهم أن يفقدوا أجزاء من أنفسهم، أجزاء من كرامتهم، وهم يقفون في طابور للحصول على وجبة ساخنة أو يركضون وسط وابل من الرصاص بين الحشود الجائعة بالقرب من موقع توزيع المساعدات.
ربما فهموا أخيرًا أن الأمر لم يكن يستحق كل هذا العناء، وأن العالم لا يستحق محاولاتهم اليائسة للبقاء على قيد الحياة وأن يكونوا جزءًا منه. وأنهم، وللمرة الأولى في حياتهم، قد تحرروا من الاحتلال، بينما لا تزال أمم العالم محتلة.
لطالما آمنت بأن سيارات الأجرة هي انعكاس لما يحدث في مجتمع ما. تصعد إلى السيارة، فتنغمس على الفور في أحاديث عن ارتفاع الأسعار، والحرارة التي لا تطاق، والتحليلات السياسية الحتمية من السائقين والركاب، والتي دائماً ما تطول الرحلة.
عندما كنت لا أزال أمتلك سيارتي، قبل أزمة الوقود، كنت أفتقد تلك الاتصالات الخام غير المصفاة. بين الحين والآخر، كنت أترك سيارتي متوقفة وأستقل سيارة أجرة، فقط لأختبرها مرة أخرى.
في الأسبوع الماضي، وأنا في طريقي إلى العمل، ركبت سيارة أجرة حيث كانت امرأة شابة تحمل طفلاً حديث الولادة. تحت أشعة الشمس الحارقة وفي ظل الحرارة الخانقة، نظرت إلى الرضيع النائم في حضن أمه وقلت "يا للطفل المسكين، يبدو حاراً".
أجابت: "إنه يشعر بالنعاس فقط". "لم ينم طوال الليل".
سألتها عن السبب. قالت: "إنه لا يحصل على ما يكفي من الرضاعة الطبيعية". "سآخذه إلى الطبيب."
الذهاب إلى الفراش جائعاً
ومضت تشرح أن طفلها البالغ من العمر شهرًا واحدًا كان يعاني من سوء التغذية الحاد. فقد كان وزنه في السابق حوالي 3.8 كيلوغرامات، ولكن بدلاً من أن يزداد وزنه، انخفض وزنه الآن إلى 3.3 كيلوغرامات. وأخبرتني أن حليب ثديها لم يعد يحمل ما يكفي من العناصر الغذائية لأنها هي نفسها تعاني من سوء التغذية، ولا يمكنها العثور على حليب الأطفال في أي مكان.
قبل بضعة أسابيع، شاركت سيارة أجرة مع امرأة وابنتها. كانت الطفلة الصغيرة فضولية ومرحة وظلت تلمس حقيبتي وترمقني بنظرة خاطفة بحثًا عن رد فعل. ابتسمت وتماشيت معها لبعض الوقت قبل أن ألتفت إلى والدتها وأقول "بارك الله فيها. كم عمرها؟"
أجابت المرأة: "خمسة أعوام". ابتسمت مرة أخرى، ثم استدرت لأنظر من النافذة، وفكرت: هذه ليست يد طفلة في الخامسة من عمرها. كانت يدها صغيرة ونحيفة للغاية، حتى بالنسبة لطفلة في الثالثة من عمرها.
لقد فقدت حقًا عدد الأمهات اللاتي التقيت بهن في طريقي إلى العمل، متوجهات إلى المستشفيات مع أطفالهن، ضعاف، غارقين في الجوع.
هذه هي قصص سيارات الأجرة في غزة الآن، لقطات لسكان بأكملهم يضيعون بهدوء.
لكن الأمر لا يقتصر على سيارات الأجرة فقط. إنها الصيدليات ذات الرفوف الفارغة، والمستشفيات الخالية من الإمدادات، والأسواق الخالية من المواد الغذائية، والمنازل التي يذهب أطفالها إلى الفراش جائعين ليلة بعد ليلة.
إن ما يحدث في سيارات الأجرة في غزة ما هو إلا نافذة واحدة على مجتمع يعاني من الجوع في كل جانب من جوانب الحياة.
أخبار ذات صلة

قوات الاحتلال الإسرائيلي تطلق الخنازير البرية في طولكرم مع توسيع هجومها على نابلس

الأتراك يفضلون ترامب على بايدن في استطلاع جديد

تركيا: حليف أردوغان الوطني يدعو زعيم PKK المسجون أوجلان للحديث في البرلمان
