سوريا تتجه نحو الاستقرار بعد حقبة الأسد
سوريا تتعافى تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، مع تحسينات ملحوظة في الاستقرار السياسي والاقتصادي. تحديات جديدة تلوح في الأفق، لكن البلاد تسير نحو إعادة الاندماج الإقليمي وتعزيز العلاقات مع الحلفاء. اكتشف المزيد عن هذه التحولات!

لم يكن سقوط الديكتاتور بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 مجرد حالة تغيير للنظام، بل كان بمثابة تحول كبير في الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية.
وبعد مرور عام واحد، تتحرك سوريا بحذر بعيدًا عن الهاوية، ولكن لا يزال موطئ قدمها غير مستقر. وفي ظل قيادة الرئيس أحمد الشرع، تنتقل البلاد من دولة منبوذة دوليًا إلى دولة تركز على الاستقرار الداخلي وإعادة الاندماج الإقليمي والاعتراف العالمي.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة، بما في ذلك العدد المحدود من اللاعبين الإقليميين الداعمين، والعديد من العناصر التخريبية حيث تعمل إسرائيل كمفسد رئيسي.
وفي الوقت نفسه، برزت تركيا كواحدة من الجهات الفاعلة الإقليمية القليلة الملتزمة التي تدعم سوريا الجديدة، وتلعب دوراً حاسماً في استقرارها وأمنها وازدهارها.
ومع اقتراب هذا العام من نهايته، سيكون عام 2026 اختباراً حاسماً للحكومة السورية الجديدة. ويتوقف مصير البلاد بشكل متزايد على تعزيز العلاقات مع الحلفاء، مع التصدي بفعالية لأولئك الذين يسعون إلى تقويض نظام ما بعد الأسد المخلوع.
لقد شهد العام الماضي تغيراً هائلاً في سوريا، حيث تحسنت البيئة السياسية والأمنية منذ السنوات الأخيرة والوحشية من حكم الأسد البائد. وقد عاد ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري إلى ديارهم بما في ذلك حوالي مليون لاجئ و 1.8 مليون نازح داخلياً في شهادة على ثقتهم المتزايدة، وإن كانت حذرة، في المستقبل.
وقد أدت السياسة الخارجية البراغماتية التي اتبعتها حكومة الشرع التي أعطت الأولوية لتهدئة الأوضاع والاستقرار وإعادة الإعمار إلى تطبيع سريع مع الأطراف الإقليمية والدولية. وعلى الصعيد الداخلي، كان التركيز على الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية المؤسسية.
تضمن ذلك عفوًا عامًا عن الأفراد العسكريين الذين تم تجنيدهم في الخدمة في عهد الأسد المخلوع، وسط استراتيجية لإصلاح مؤسسي سريع متوازن مع سيطرة مركزية، بما في ذلك إعلان دستوري وبرلمان %D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5193498-%D8%A7% D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B 3-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D 9%8A-%D8%AA%D8%AB%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8 A%D8%A9-%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D8%A9#google_vignette).
العودة إلى الحصن العربي
على الصعيد الاقتصادي، تم توحيد عملية صنع القرار في ظل مجلس أعلى جديد للتنمية الاقتصادية، والذي أطلق صناديق سيادية لإعادة الإعمار وفرض معايير الامتثال المصرفي. تم إسقاط العقوبات الغربية.
على الصعيد الأمني، تحركت الحكومة لاحتكار استخدام القوة من خلال حل جهاز المخابرات سيئ السمعة لصالح جهاز الأمن العام، ومن خلال دمج فصائل الثوار المتباينة بقوة في جيش وطني موحد.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد نجحت سوريا في العودة إلى الحصن العربي، حيث برزت قطر والمملكة العربية السعودية كحليفين ملتزمين. وخلال عامه الأول في السلطة، قام الشرع أيضًا بزيارات خارجية غير مسبوقة، بما في ذلك زيارة تاريخية إلى الولايات المتحدة إلى جانب اجتماعات في فرنسا و روسيا وقد ساعد ذلك في تسهيل رفع العقوبات، مع تعزيز إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي.
ومن بين الجهات الفاعلة الرئيسية الملتزمة بسوريا جديدة مستقرة ومزدهرة هي تركيا. وقد أدى سقوط نظام الأسد البائد إلى تحويل العلاقات مع أنقرة إلى شراكة حيوية، مدفوعة بالمصالح المشتركة في أمن الحدود، والنجاح الاقتصادي، وإدارة اللاجئين، ومواجهة التهديدات المشتركة.
وهكذا برزت تركيا كفاعل خارجي أساسي في تشكيل سوريا الجديدة. ومن خلال تقديم المساعدة السياسية والاقتصادية والأمنية الأساسية، بما في ذلك الدعوة إلى رفع العقوبات الدولية، لعبت تركيا دوراً حاسماً في منع انهيار الدولة السورية وتعزيز الاستقرار.
وبالنسبة لأنقرة، فإن الرهانات وجودية. فسوريا مستقرة وصديقة ضرورية لمواجهة التحديات الأمنية الرئيسية التي تواجهها تركيا، بما في ذلك أزمة اللاجئين والتهديد الذي تشكله وحدات حماية الشعب الكردية على طول الحدود المشتركة. ولكن في حين أن سيادة سوريا وسلامة أراضيها مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمصالح أنقرة الأمنية الخاصة، فإن دعم استقرار سوريا دون التورط في صراعاتها الداخلية يتطلب دبلوماسية حذرة.
أزمة إنسانية هائلة
في الوقت نفسه، تواجه القيادة السورية تحديات هائلة. فمهمة إعادة بناء دولة دمرتها الحرب مهمة مذهلة. فمع احتمال أن تصل تكاليف إعادة الإعمار إلى تريليون دولار، ومع وجود ملايين السوريين الذين لا يزالون نازحين فإن حجم الأزمة الإنسانية والاقتصادية هائل.
على الصعيدين السياسي والاجتماعي، أدى سقوط نظام الأسد الوحشي إلى حرمان بعض الأقليات الراسخة من امتيازاتها التي طالما تمتعوا بها، مما خلق طبقة من المخربين الذين يسعون بنشاط تحت ذرائع مبتكرة مثل الديمقراطية واللامركزية والحكومة الشاملة لتقويض النظام الجديد واستعادة مكانتهم المفقودة.
لا يزال النسيج الاجتماعي في سوريا، الذي مزقته سنوات من الصراع، عرضة للتوترات التي غالباً ما تؤججها جهات خارجية مزعزعة وعلى رأسها إسرائيل التي تحاول إضعاف سوريا والاستيلاء على المزيد من أراضيها.
وبالتالي، فإن الطريق إلى سوريا مستقرة وموحدة وديمقراطية مهددة بشكل فعال من قبل مجموعة من الجهات الفاعلة التي ترى أن التوصل إلى نتيجة سلمية يضر بمصالحها الخاصة. ويأتي التهديد الداخلي الأكثر أهمية من وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال، تليها مجموعة من الأقلية الدرزية في الجنوب وكلاهما مدعوم علناً من إسرائيل إلى جانب الموالين للأسد في الغرب وما تبقى من نشاط داعش.
وعلى الرغم من الاتفاق الرسمي الذي أبرمته الحكومة السورية مع وحدات حماية الشعب، والذي يتضمن خطة لدمج عناصرها في الجيش الوطني، إلا أن الجماعة الكردية تباطأت في عملية نزع السلاح وسط دعم واضح من جهات خارجية. وقد أدى ذلك إلى تأجيج الاشتباكات بين وحدات حماية الشعب والقوات الحكومية، مما أثار مخاوف من فتح جبهة جديدة في الصراع.
وعلى الصعيد الخارجي، لا تزال إسرائيل هي الجهة الفاعلة الأكثر تصميماً وخطورة. فقد اتبعت تل أبيب استراتيجية لتحويل سوريا الجديدة إلى دولة فاشلة، بهدف ضمان هيمنتها الإقليمية والحفاظ على احتلالها لمرتفعات الجولان.
وطوال العام الماضي، شنت إسرائيل غارات جوية وقدمت دعمها لجماعات الأقليات، على أمل تقويض الحكومة الجديدة وضمان إضعاف الدولة السورية بشكل دائم. وقد تضاءل نفوذ إيران منذ سقوط الأسد المخلوع، لكنها قد تحاول استعادة نفوذها.
القوى المتنافسة
بالنظر إلى المستقبل حتى عام 2026، سوف يتحدد مسار سوريا من خلال الشد والجذب بين هذه القوى الداخلية والخارجية المتنافسة. ومن المستبعد حدوث انفراجة دراماتيكية نحو الاستقرار والازدهار الكاملين، كما هو الحال بالنسبة للانهيار الكارثي نحو حرب شاملة متجددة. والسيناريو الأكثر احتمالاً هو استمرار التقدم التدريجي في مواجهة التحديات الشديدة.
يمكننا أن نتوقع أن تواصل الحكومة السورية، بدعم ثابت من تركيا، العملية البطيئة والشاقة لبناء الدولة وإعادة الإعمار الاقتصادي. وستبقى عملية دمج وحدات حماية الشعب الكردية هي نقطة الاشتعال الأكثر أهمية وتقلباً؛ وفي حال استمرت الجماعة الكردية في المماطلة، فإن المواجهة العسكرية تبدو حتمية.
في مثل هذا السيناريو، قد تتدخل تركيا بشكل مباشر لتعمل كثقل موازن ضد التدخل الإسرائيلي. ويمكن أن تقدم أنقرة دعمًا حاسمًا للجيش السوري لإضعاف القدرات العسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية وتقويض سيطرتها على الأراضي. وفي حين أن هذه العملية ستكون عملية عنيفة، إلا أن دمشق وأنقرة قد تعتبرانها على الأرجح ضرورة مريرة لضمان أمن سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، قد تشهد سوريا صعوبات طويلة الأمد قبل أن يبدأ الوضع في التحسن. فجهود إعادة الإعمار، التي ستتطلب استثمارات خارجية، لا يمكن أن تقوم بها القيادة السورية وحدها.
ومن الناحية الدبلوماسية، ستواصل سوريا رحلة إعادة الاندماج في السياسة الإقليمية والدولية. لكن هذه العملية قد تتعرقل بشكل كبير إذا ما واصلت إسرائيل احتلالها وتدخلها في سوريا، أو إذا ما تغيرت مواقف الدول الغربية.
ستبقى العلاقة بين دمشق وأنقرة حجر الزاوية في مستقبل سوريا. ولكن يجب أن يكون لدى جميع الأطراف المعنية من المواطنين السوريين إلى المراقبين الدوليين توقعات واقعية. فالرحلة المقبلة ستكون طويلة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر. وسيكون الصبر والالتزام أمرًا بالغ الأهمية، وكذلك اليقظة في مواجهة القوى التخريبية، الداخلية والخارجية على حد سواء، التي تسعى إلى عرقلة مسيرة سوريا نحو عهد جديد.
أخبار ذات صلة

فقد 11 فلسطينيًا حياته في غزة جراء العاصفة من البرد وانهيار المباني

تواجه المملكة المتحدة ضغوطًا متزايدة لإعادة المواطنين البريطانيين من المخيمات والسجون السورية

هذا انتقام: إسرائيل ترحل الأسرى الفلسطينيين ثم تمنع العائلات من الزيارة
