الفاشر تحت الحصار والقتال يشتعل مجددًا

في اللحظة التي أعلنت فيها قوات الدعم السريع شبه العسكرية عن اقتحامها مدينة الفاشر صباح يوم الأحد، كان من الواضح أن 260,000 سوداني محاصر في المدينة في خطر شديد وفوري.

منذ بدء الحرب في السودان في أبريل 2023، اتُهم مقاتلو قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر وانتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الإبادة الجماعية في أماكن أخرى من دارفور.

على مدار اليومين الماضيين، بدأت مشاهد مماثلة في الظهور من مدينة الفاشر، وهي مدينة تقع غرب السودان محاصرة منذ أكثر من 500 يوم.

وعُرضت عشرات مقاطع الفيديو والصور التي التقطت في الفاشر منذ بدء هجوم قوات الدعم السريع.

نُشر بعضها من قبل قوات الدعم السريع نفسها؛ بينما ظهر بعضها الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما مجموعات التلغرام السودانية.

تصور اللقطات مشاهد فوضوية ودموية التقطها مقاتلو قوات الدعم السريع المنتصرون. تشير التحقيقات إلى أن مقاطع الفيديو جديدة.

اللهجة العربية المحكية هي اللهجة السودانية خاصةً الدارفورية ولباس المقاتلين يتطابق مع أعضاء قوات الدعم السريع. ذ التُقطت العديد من مقاطع الفيديو والصور في مواقع أكدت المصادر أن مواقعها داخل الفاشر أو تتفق مع التضاريس المحيطة بالمدينة.

لقطات أخرى مضللة. الصورة التي يتم تداولها على نطاق واسع لامرأة وطفلين معلقين على شجرة وهم جثث هامدة هي في الواقع عمرها ثمانية أشهر على الأقل وموقعها غير مؤكد.

قوات الدعم السريع تعلن النصر

صباح يوم الأحد، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على حامية الفرقة السادسة مشاة، مقر قيادة القوات المسلحة السودانية التي تدافع عن الفاشر.

وبعد حوالي 40 دقيقة، نشر القسم الإعلامي الرسمي لقوات الدعم السريع لقطات لمقاتلين يحتفلون في الحامية التي تحيط بها مبانٍ مليئة بثقوب الرصاص.

كما نشرت مقطع فيديو آخر يُظهر عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (المعروف أيضًا باسم حميدتي، والرجل الثاني في قوات الدعم السريع، وهو يخاطب قواته ويطلب من أهالي الفاشر العودة إلى منازلهم.

ويقول: "تعليماتنا لجميع قواتنا هي عدم المساس بممتلكات الناس". "الفاشر آمنة ومحمية من قبل مقاتلي قوات الدعم السريع".

تُظهر لقطات من طائرة بدون طيار نشرتها قوات الدعم السريع قبل فترة وجيزة عشرات الأشخاص في الحقول خارج المدينة وهم يفرون سيرًا على الأقدام.

بعد فترة وجيزة من المنشورات الرسمية لقوات الدعم السريع، بدأ تداول مقاطع فيديو يبدو أنها التقطت من قبل المقاتلين أنفسهم في الفاشر وما حولها.

يظهر في أحدها أعضاء قوات الدعم السريع في أحد شوارع المدينة وهم يركبون الجمال ويقودون شاحنات صغيرة ويسيرون حاملين بنادقهم عالياً.

يقول أحدهم: "البدو الرحل داخل الفاشر".

انقطعت الاتصالات في الفاشر منذ أشهر. قبل هجوم قوات الدعم السريع، كان الاتصال مع الناس داخل المدينة يتم فقط من خلال اتصالات ستارلينك على الإنترنت.

ومنذ استيلاء القوات شبه العسكرية على المدينة، انقطع الاتصال مع الجميع تقريبًا.

أحد الشخصيات التي ظهرت في أسر قوات الدعم السريع هو معمر إبراهيم وهو مراسل مستقل كان يعمل في قناة الجزيرة. وقد انتشرت عدة مقاطع فيديو تُظهر احتجازه.

كما أثيرت مخاوف على سودانيين بارزين آخرين. وقد تم الإبلاغ عن مقتل بعض الإعلاميين والنشطاء والسياسيين، ولكن لم يتم التحقق من التقارير بشكل مستقل.

وأظهر أحد مقاطع الفيديو المتداولة يوم الاثنين امرأة مجهولة الهوية ملقاة على الأرض جثة هامدة.

"نحن في الفاشر وهذه هي الصحفية نفسها. دعها تظهر على الكاميرا. لماذا لا تقف؟" يقول صوت شخص خارج اللقطة.

الفرار في الحقول

قبل الحرب، كانت الحقول المحيطة بالفاشر تُستخدم من قبل مزارعي الحبوب ورعي الماشية. أما الآن، كما تظهر مقاطع الفيديو، فهي مليئة بالسودانيين الفارين للنجاة بحياتهم.

تُظهر مقاطع الفيديو التي تم تداولها يوم الاثنين مقاتلي قوات الدعم السريع في شاحنات صغيرة يطاردون الناس سيراً على الأقدام.

"انظروا إلى هذا العدد الكبير. إلحقوا بالفتيات اللاتي في المقدمة"، يقول أحد المقاتلين في أحد مقاطع الفيديو، بينما يدوي في الخلفية دوي إطلاق النار. ويبدو من بعيد عشرات الأشخاص الذين يفرون. "أقسم بالله، انهبوا، انهبوا"، يحث أحد المقاتلين.

وفي مقطع فيديو آخر، تصطدم شاحنة صغيرة بأشخاص يركضون في أحد الحقول. بعد توقف شخصين بملابس مدنية، يخرج العديد من المقاتلين من الشاحنة ويبدأون بأخذ ممتلكاتهم.

يقول أحد المقاتلين: "أنت، تعال إلى هنا، اللعنة على أمك. اخرس. تعال هنا، لا تهرب. أحضر ما لديك أين تضع يدك؟ أنت تقتله على الفور".

فيرد الضحية "أقسم بالله أنني لا أملك شيئًا".

"نحن نقضي عليهم. فقط أجهزوا عليهم"، يقول أحد المقاتلين بينما يقوم أحدهم، الذي يبدو أنه مراهق، بإطلاق النار على رجل بعد سرقته.

يُظهر مقطع فيديو ثالث تم تصويره في أحد الحقول مقاتلين من قوات الدعم السريع يسيرون بين ست جثث على الأقل. "مدني وتريد أن تذهب، مستحيل على الإطلاق"، يصيح أحد المقاتلين.

كما يصور عناصر قوات الدعم السريع أنفسهم مع أشخاص أسروهم وهم يفرون. في أحد المقاطع، يظهر عشرات الرجال جالسين على الأرض محاطين بالمقاتلين الذين يطلقون عليهم مراراً وتكراراً لقب "العبيد".

وفي مقطع آخر، يخبر المقاتلون ستة رجال محتجزين يرتدون ملابس مدنية لكنهم يعرّفون عن أنفسهم كجنود، أن بإمكانهم الفرار. وبمجرد أن يبدأ الرجال بالركض، يفتح المسلحون النار عليهم ويقتلون ثلاثة منهم على الأقل.

محاصرون

في أغسطس، حدد مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لكلية ييل للصحة العامة (HRL) أكثر من 31 كم من السواتر الترابية التي بنتها قوات الدعم السريع لتطويق الفاشر، مما أدى إلى ما أسماه "صندوق قتل حرفي".

وحذر "في حالة النزوح الجماعي للمدنيين" من أن قوات الدعم السريع "يمكن أن تقتل المدنيين بسهولة".

وتشير اللقطات التي ظهرت يوم الاثنين إلى أن السواتر الترابية والخنادق المصاحبة لها تسمح لقوات الدعم السريع بالقيام بذلك بالضبط.

وتظهر مقاطع الفيديو المركبات التي يُرجح أنها كانت تقل المدنيين الفارين مهجورة وأحيانًا مشتعلة بجانب السواتر الترابية مما يشير إلى أنها لم تتمكن من عبور الساتر الترابي وتم اعتراضها.

في أحد هذه المقاطع يقف عدد من المقاتلين فوق مجموعة من الجثث في أحد الخنادق، واصفين إياها بأنها "هدفنا".

شخصية تظهر مرارًا وتكرارًا هي لقائد قوات الدعم السريع بشعر طويل ولحية ووشاح شاحب.

يخاطبه أحد المقاتلين باسم أبو لولو، ويتطابق مظهره مع العميد الفاتح عبد الله إدريس، وهو ضابط في قوات الدعم السريع يحمل هذا الاسم الحركي.

أبو لولو له تاريخ حافل بجرائم الحرب أمام الكاميرا. ولديه حساب على تطبيق تيك توك منسوب له 144,300 متابع.

في أغسطس/آب، شوهد في ضواحي الفاشر وهو يستجوب أحد الأسرى حول هويته العرقية، قبل أن يطلق عليه سبع رصاصات من مسافة قريبة.

كما شوهد أيضًا في مقاطع فيديو من مصفاة الجليلي لتكرير النفط شمال الخرطوم في مارس 2024، حيث أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أنه متورط في إعدام سجناء. وقد اتُهم بقتل معتقلين ومدنيين في أم سمية بشمال كردفان والفولة بغرب كردفان أيضًا.

وفي الفاشر، شوهد الرجل الذي يبدو أنه أبو لولو يواصل هذا الاتجاه.

في أحد مقاطع الفيديو، يقف أمام 10 رجال جالسين على الأرض يتوسلون إليه ألا يطلق النار عليهم.

يقول: "ليس لدي وقت للعب". "انظروا، لدينا خياران فقط: النصر أو الشهادة. الخيار هو أن تقاتلونا حتى النهاية فتموتوا في قاعدة الجيش، أو هنا".

ثم يفتح أبو لولو ورجاله النار على الأسرى، الذين يُقتلون جميعًا على ما يبدو.

يظهر الرجل نفسه أيضًا في أربعة مقاطع فيديو أخرى يبدو أنها في موقع واحد مختلف على الأقل.

وهو يقف بجانب ساتر ترابي محاط بالجثث، وعلى جانبه مركبات مشتعلة. يقول القائد في إحدى المقاطع: "لقد رأيت فتاة جميلة وأريدها".

في اثنين من المقاطع، يخاطب رجلًا جريحًا ممددًا على الأرض، ويقول له إنه بريء.

ويحاول مقاتل آخر طمأنة الجريح، واصفًا إياه بـ"أسير حرب" ويطلب من الضابط أن يرحمه.

يرد الضابط: "لن أرحمه". "لا نريد منك أي شيء. لقد جئنا للقتل فقط." ثم يطلق النار على الرجل الجريح ويرديه قتيلاً.

بدأت الحرب في السودان عندما انفجرت خطط ضم قوات الدعم السريع إلى الجيش النظامي في صراع أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وتشريد 13 مليون شخص.

اتُهمت قوات الدعم السريع، التي انبثقت عن ميليشيات الجنجويد التي قاتلت في الإبادة الجماعية في دارفور قبل 20 عاماً، باستهداف المدنيين بالقتل والنهب والاعتداء الجنسي طوال فترة الحرب.

بعد عمليات القتل الجماعي للسودانيين من المساليت في غرب دارفور في يونيو 2023، اتهمتها الولايات المتحدة والعديد من جماعات حقوق الإنسان بارتكاب إبادة جماعية. كما اتُهمت القوات المسلحة السودانية بارتكاب جرائم حرب.

وعلى الرغم من أنها تنفي دعمها المادي لقوات الدعم السريع، إلا أن هناك أدلة متزايدة على أن الإمارات العربية المتحدة تواصل تزويد القوات شبه العسكرية بالأسلحة والمرتزقة.

قبل ساعات من سقوط الفاشر، انهارت محادثات وقف إطلاق النار في واشنطن بسبب رفض الإمارات العربية المتحدة معالجة الحصار الخانق المفروض على المدينة منذ 18 شهرًا.

وقالت القوات المشتركة، وهي متمردون سابقون من دارفور يقاتلون إلى جانب الجيش السوداني، يوم الثلاثاء إن ما لا يقل عن 2000 مدني قتلوا على يد قوات الدعم السريع في الفاشر منذ يوم الأحد.

وقال تاسيس، الذراع السياسي لقوات الدعم السريع: "إن العديد من مقاطع فيديو الانتهاكات التي يتم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي مفبركة من قبل إعلام الحركة الإسلامية ومرتزقة من القوات المشتركة وغيرهم. إذا تم فحصها عن كثب، سيتضح ذلك".