كان مارتن لوثر كينغ جونيور ليصفها أيضًا بالإبادة الجماعية

كان القس مارتن لوثر كينغ جونيور راديكاليًا في عصره.

ففي معارضته للحرب الأمريكية اللاأخلاقية على فيتنام، لم يتوانَ عن التعبير عن رأيه فيما فعله الأمريكيون بالشعب الفيتنامي.

قال مقولته الشهيرة "لقد دمرنا أعز مؤسستين لديهم: الأسرة والقرية. لقد دمرنا أرضهم ومحاصيلهم... لقد أفسدنا نساءهم وأطفالهم وقتلنا رجالهم. والآن، لم يتبق شيء يُبنى عليه سوى المرارة".

وكما هو الحال في فيتنام، فإن رأي MLK في الموت والدمار في غزة سيكون واضحًا تمامًا: إسرائيل في الواقع مذنبة بارتكاب إبادة جماعية، واتفاق وقف إطلاق النار الهش لا يغير حقيقة أن كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية تقريبًا قد دُمر جزئيًا بواسطة الأسلحة الأمريكية.

كل عام، في يوم مارتن لوثر كينغ جونيور، وهو يوم عطلة وطنية أمريكية لتكريم رمز الحقوق المدنية، نشهد استيلاءً غير صادق على حياة مارتن وإرثه، حيث نجدنا نقرأ منشورات من الصفحة الرسمية لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) على موقع X، تكريمًا لجهود كينغ كقائد لحركة الحقوق المدنية.

ردًا على منشور مكتب التحقيقات الفيدرالي العام الماضي، أوضحت صفحة X's Community Notes - بشكل مفاجئ - ما يبعث على الدهشة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي نفسه "شارك في مراقبة كينغ وحاول تشويه سمعته واستخدم أساليب التلاعب للتأثير عليه لوقف التنظيم. تعتقد عائلة كينغ أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان مسؤولاً عن وفاته".

ومع ذلك، فإن وكالات الاستخبارات الأمريكية ليست هي الجهة الوحيدة المتعاونة مع "حلم MLK".

الاستلحاق الإسرائيلي

مع عرض الإبادة الجماعية في غزة على شاشات البشر المذعورين في جميع أنحاء العالم على مدار العام ونصف العام الماضيين، أصبحت علاقات إسرائيل العامة في حالة من الفوضى وتشوهت صورتها إلى الأبد.

فقادتها يواجهون المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال، وجمهورها المخلص تاريخيًا في الغرب يذبل.

وقد استشهد حتى الآن أكثر من 46,000 فلسطيني بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي - ما يقرب من 70 في المائة من هؤلاء الضحايا هم من النساء والأطفال.

ومع ذلك، فإن آلة العلاقات العامة الإسرائيلية تعمل بجد.

ففي يوم "MLK" الذي صادف 15 يناير من العام الماضي، نشر حساب إسرائيل الرسمي على موقع X اقتباسًا من خطبة الراحل MLK الشهيرة بعنوان "أحبوا أعداءكم"، والتي ألقاها في كنيسة ديكستر أفينو المعمدانية في مونتغمري، ألاباما، في عام 1957.

تقول الخطبة "لا يمكن للظلام أن يطرد الظلام، فالنور وحده يستطيع ذلك. لا يمكن للكراهية أن تطرد الكراهية، وحدها المحبة يمكنها أن تفعل ذلك". ويضيف: "نتذكر إرث الدكتور كينغ في السلام والتسامح والمساواة".

المفارقة تتحدث عن نفسها.

بعد أقل من أسبوعين من بدء الهجوم على غزة في أكتوبر 2023، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال خطاب أمام البرلمان الإسرائيلي إن حربهم على غزة كانت "صراعًا بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وشريعة الغاب".

وقد نُشر هذا الاقتباس على حساب نتنياهو الرسمي على موقع X قبل أن يقوم مكتبه بحذف المنشور في اليوم التالي، بعد قصف المستشفى الأهلي المعمداني، مع ورود تقارير عن سقوط مئات الشهداء.

إن إرث كينغ المتمثل في "السلام والتسامح والمساواة" يتناقض ويتعارض تمامًا مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والاحتلال وبناء المستوطنات على الأراضي المسروقة والإبادة الجماعية والحصار الحالي على غزة.

"رموز مبسطة"

وعلاوة على ذلك، فإن تبسيط إرث كينغ إلى إرث وزير وناشط "محب للسلام" هو ترجمة خاطئة لعمل حياته ويسهل استمالة اسمه وصورته لمعارضي حقوق الإنسان والحقوق المدنية نفسها التي سعى جاهد لإرسائها.

وقد ألمحت إلى هذا المفهوم في مقال كتبته في عام 2020 عن مالكوم إكس.

في تمييعنا لرسالة مالكوم إكس نفتح الباب بشكل غير مباشر أمام استلحاق إسرائيل.

فكينغ هو البطل المثالي الذي بشر باللاعنف والمحبة، ومالكوم هو "الشرير" المثالي الذي كان بمثابة نظيره العنيف الذي بشر بالكراهية والتشدد.

والنتيجة ليست مجرد قراءة غير نزيهة للتاريخ، بل هي ثنائية تسمح بتنسيق كينغ ليجعلنا أكثر راحة.

إن اختزال هؤلاء الرجال إلى مثل هذه الرموز المبسطة يسمح لنا بتصفية البرامج السياسية وفقًا لمدى "شبهها ب كينغ".

وبالتالي، يتم إضفاء الشرعية على الأشكال غير الشرعية للمصالحة من خلال كينغ، ويتم نزع الشرعية عن الأشكال الشرعية للمقاومة من خلال مالكوم إكس.

إن إرث كينج مؤيد للتحرر، وبالتالي فهو مؤيد لفلسطين.

وقد أوضحت الدكتورة برنيس كينغ، رئيسة مركز مارتن لوثر كينغ جونيور للتغيير الاجتماعي اللاعنفي وابنة كينغ، في وقت مبكر أن والدها لو كان قد شهد الرعب الذي شهدته غزة لكان من أوائل المؤيدين لدعوات وقف إطلاق النار العالمية.

وقالت: "أنا متأكدة من أنه كان سيدعو إلى وقف القصف الإسرائيلي للفلسطينيين، وإلى إطلاق سراح الرهائن... وإلى العمل من أجل السلام الحقيقي الذي يشمل العدالة".

يشمل هؤلاء الرهائن الآلاف من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بما في ذلك ما يقدر بـ 10,000 طفل فلسطيني الأطفال الفلسطينيون هم الوحيدون الذين تم الإفراج عنهم خلال العشرين سنة الماضية.

في عام 1967، نشرت لجنة التنسيق الطلابية اللاعنفية (SNCC)، وهي منظمة أمريكية من أصل أفريقي كان كينغ منخرطًا فيها بشدة، نشرة إخبارية تضمنت قسمًا بعنوان مشكلة فلسطين.

وسردت النشرة الحجج ضد الصهيونية - مشيرةً إلى أنها مشروع استعماري استيطاني. وتناولت بالتفصيل السرقة الجماعية للأراضي الفلسطينية وتناولت تجريد العرب من إنسانيتهم. كان قادة الحقوق المدنية الأمريكيين من أصل أفريقي على وعي عالمي بمحنة الشعوب المضطهدة.

كان كينغ يسافر إلى القدس عبر بيروت في عام 1959.

وطوال حياته، وضع كينغ خططًا لزيارة فلسطين التاريخية عدة مرات أخرى، ولكن كل فرصة كانت تلغى قبلها.

تروي الناشطة في مجال الحقوق المدنية وكاتبة العمود في صحيفة نيويورك تايمز ميشيل ألكسندر مكالمة - مسجلة بواسطة تسجيلات مكتب التحقيقات الفيدرالي - أجراها كينغ مع مستشاريه في عام 1967، حيث كان يتداول بشأن قبول دعوة من الحكومة الإسرائيلية لزيارة فلسطين التاريخية: قال: "أعتقد أنني إذا ذهبت، فإن العالم العربي، وبالطبع أفريقيا وآسيا في هذا الشأن، سيفسرون ذلك على أنه تأييد لكل ما فعلته إسرائيل، ولديّ بالفعل أسئلة تثير الشكوك."

تحرير فلسطين

في أواخر الستينيات، كانت أفريقيا وآسيا تعانيان من عقود من الاستعمار الأوروبي، وكان كينغ يعرف هذا التاريخ جيدًا.

وسيزداد هذا الشك مع مرور الوقت.

وردًا على سؤال في مقابلة مع شبكة ABC حول ما إذا كان ينبغي على إسرائيل "إعادة الأراضي التي استولت عليها في الصراع دون ضمانات معينة، مثل الأمن"، كان كينغ واضحًا أن الاحتلال هو السبب الرئيسي للتوتر.

وقال كينغ: "أعتقد أنه من أجل تحقيق السلام والأمن في نهاية المطاف، سيكون من الضروري على الأرجح أن تتخلى إسرائيل عن هذه الأراضي التي احتلتها لأن التمسك بها لن يؤدي إلا إلى تفاقم التوتر وتعميق مرارة العرب" (https://www.motherjones.com/politics/2023/11/martin-luther-king-jr-mlk-israel-palestine-1967-video/).

إن استقطاب إسرائيل لمارتن لوثر كينغ هو أمر مخادع واستغلالي..

ففي سياق ثوار الحقوق المدنية في القرن العشرين، يُستخدم كينغ ككبش فداء. فتصريحاته حول الاحتلال لا تؤيد صراحةً القضية الفلسطينية، ولا تدين صراحةً انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان.

ولكن هناك شخصيات أخرى مؤثرة في النضال من أجل الحقوق المدنية، مثل جيمس بالدوين ومالكوم إكس ومحمد علي وأنجيلا ديفيس ونيلسون مانديلا، تقدم أمثلةً قوية على العلاقة بين النضال ضد العنصرية والاستعمار ودعم تحرير فلسطين.

كان كينغ، شأنه شأن العديد من أقرانه، يؤمن بأن النضال من أجل العدالة والحرية عالمي، وكان من الطبيعي أن تمتد دعوته للمساواة وحقوق الإنسان إلى القضية الفلسطينية.

إن حركة الحقوق المدنية - وجميع الحركات التي تهدف إلى تحرير الإنسان من أغلال العنصرية والاحتلال والفصل العنصري - هي خصم طبيعي للمشروع الصهيوني.

لقد ركز نضال MLK في نهاية المطاف على رعاية ما تبقى من النسيج الأخلاقي في أمريكا جيم كرو.

إن القول بأن كينغ لم يكن ليكتفي بالصمت، بل كان يدعم الاحتلال الإسرائيلي بنشاط، هو إهانة لعمل حياته. كما أن القول بأنه كان سيدعم بنشاط مليارات الدولارات سنويًا من مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل هو أمر مزعج بنفس القدر.

"إن الأمة التي تستمر عامًا بعد عام في إنفاق الأموال على الدفاع العسكري أكثر من إنفاقها على برامج النهوض الاجتماعي تقترب من الموت الروحي"، قال كينغ.

هل حدث هذا الموت الروحي بالفعل؟