دمار الجامعات في غزة وحلم التعليم المفقود
في غزة، تحطمت أحلام الطلاب الجامعيين مع تدمير الجامعات. قصص مؤلمة عن فقدان التعليم والمعرفة، وتحول المكتبات إلى أماكن للطهي. اكتشف كيف أثرت الحرب على مستقبل الأجيال القادمة في هذا المقال المؤثر.

ها أنا ذا ألبي نداءك يا جامعة الحقيقة. ها أنا ذا، واقفاً شامخاً رافعاً رايتك عالياً. ها أنا ذا، رائدًا في طريق عزتنا. ها أنا ذا، ساطع كالبدر في الظلام. ها أنا ذا، يا جامعتي...
هذا هو نشيد جامعتي، الجامعة الإسلامية في غزة. حلمت ذات مرة أن أردده يوم التخرج، وأنا واقف على مسرح قاعة المؤتمرات الكبرى.
خططت أنا وزملائي لذلك اليوم بالتفصيل: ما سنرتديه، والمصور الذي سنحجزه ولون باقات الزهور التي ستحضرها عائلاتنا.
شاهد ايضاً: العشرات يمثلون أمام المحكمة لدعم حركة فلسطين أكشن وآلاف آخرين لا يزالون ينتظرون المحاكمات
هذه أحلام عادية بالنسبة لأي طالب في العالم، ولكن في غزة، حتى أبسط الأحلام تصبح بعيدة المنال، أو تُنتزع فجأة ولا يبقى منها سوى شظايا من الذاكرة.
ما زلت لا أعرف ما الذي أجبرني على ذلك، ولكن في ذلك اليوم الأخير من الدراسة قبل 7 أكتوبر 2023، وجدت نفسي أتجول في كل ممر من ممرات الجامعة. بقيت لوقت متأخر يوم الجمعة، ولم أعد إلى المنزل حتى الرابعة عصرًا.
اشتريت مشروبي المفضل من الكافتيريا وتجولت في الممرات بين المباني، وجلست على المقاعد الخلفية المظللة بأشجار البوغانفيليا الزاهية. شعرت بقلق مقلق.
كنت قد حلمت قبل أسبوع أنني كنت أركض على سلالم الجامعة هاربة. رأيت بعض أساتذتي وقمصانهم ملطخة بالدماء.
استيقظت مذعورة قبل المنبه، وأنا أحدق في ملابسي التي كنت قد جهزتها للدرس في ذلك اليوم، وأصغيت إلى أزيز السيارات في الخارج. أخذت نفسًا عميقًا، ممتنة أنه كان مجرد كابوس وليس حربًا حقيقية.
لم أكن أعرف أن الحلم لم يكن سوى مقدمة لما هو قادم، وأن القلق الذي شعرت به كان تحذيرًا لم أستطع فهمه بعد.
في صباح ذلك السبت المشؤوم، استيقظت مذعورة مرة أخرى، قبل أن يوقظني المنبه. لكن هذه المرة، أصبح الكابوس حقيقة.
أصدرت الجامعة إشعارًا بتعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى. وبعد يومين، في 9 أكتوبر/تشرين الأول، تضررت عدة مبانٍ جراء الغارات الجوية الإسرائيلية. وفي 11 تشرين الأول/أكتوبر، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية ثمانية مبانٍ أخرى في الحرم الجامعي الرئيسي للجامعة في مدينة غزة.
شاهدت القصف على الهواء مباشرة على شاشات التلفاز. كان قلبي يحترق وأنا أرى النيران تلتهم جامعتي، والأحلام التي بنيتها هناك تنهار وتتحول إلى رماد، والضحكات والذكريات تتناثر على طاولات الكافتيريا والمقاعد والقاعات الفارغة.
ما بقي هو الصدمة: تلك الصدمة التي تصيبك عندما يتحطم كل ما ناضلت من أجله في لحظة، عندما يتراجع الواقع تحت وطأة ثقل لا يطاق، ويصبح غير مصدق.
محو المعرفة
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. في ديسمبر 2023، قصفت إسرائيل كلية الطب، إلى جانب مؤسسات أخرى مثل جامعة الأزهر غزة وجامعة فلسطين التي دُمرت بالكامل. قام الجنود الإسرائيليون بتصوير عملية التدمير في استعراض وقح للإفلات من العقاب.
وسرعان ما لاقت جامعة الإسراء المصير نفسه.
وبحلول نهاية ذلك الشتاء، كانت جميع الجامعات الـ 19 في غزة قد دمرت. وتحول حوالي 80% من مبانيها إلى أنقاض. ودُمرت أربع جامعات بالكامل، وتعرضت عشر جامعات أخرى لأضرار جسيمة أو متوسطة.
حرمت هذه الهجمات ما يقرب من 88,000 طالب جامعي من تعليمهم.
في الشهر الماضي، أفادت وكالات الأمم المتحدة أن إسرائيل دمرت أو ألحقت الضرر بـ 95% من المرافق التعليمية في غزة، مما حرم أكثر من 650,000 طفل من التعليم لأكثر من عامين. وقد أدانت وكالات الأمم المتحدة والجماعات الحقوقية هذا التدمير المنهجي ووصفته بـ"الإبادة المدرسية" أي الإبادة المتعمدة للتعليم.
في يناير 2024، ضربت الغارات الإسرائيلية فرع الجامعة في خان يونس جنوب قطاع غزة، مما أدى إلى سحق آخر آمال الطلاب في العودة إلى الحرم الجامعي. خلال هذه الفترة، انقطعنا تمامًا عن الدراسة. وأعلن موقع الجامعة على الإنترنت عن الإغلاق التام.
كانت الخسائر لا تُحصى. فقد دُمّرت الجامعة الإسلامية في جميع أنحاء حرمها الجامعي بسبب القصف الذي دمّر 200 مختبر و 75 مختبر حاسوب، وأحرق 200,000 كتاب، ومسح 16,000 رسالة دكتوراه.
وبالإضافة إلى الدمار المادي، فقدنا المئات من العلماء والأكاديميين من بينهم رئيس الجامعة الدكتور سفيان طايع، والدكتور عدنان البرش، وأستاذ الأدب الإنجليزي المحبوب الدكتور رفعت العرعير.
أخبرتني صديقتي شهد، التي بقيت في مدينة غزة قبل وقف إطلاق النار وعودة النازحين من الجنوب، بما حل بالجامعة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية.
قالت: "أصبحت المكتبة مكانًا للطهي على نيران مكشوفة". "تناثرت الكتب وأطروحات الدكتوراه على الأرض، واستخدمها النازحون كوقود."
في أوقات الجوع والحرب، تفقد المعرفة نفسها قيمتها. فالكتب والرسائل الجامعية، التي كانت ذات يوم رمزًا لفكر غزة ووعودها، أصبحت وقودًا للبقاء على قيد الحياة.
بعد مرور عام تقريبًا على بدء الحرب، حاولت الجامعة القيام بواجبها تجاه طلابها.
فقد أعلنت استئناف التعليم عبر الإنترنت على الرغم من التحديات التي لا حصر لها: النزوح المستمر، وانقطاع الاتصال بالإنترنت، وفقدان معظم الطلاب وأعضاء هيئة التدريس لمنازلهم، واستشهاد العديد منهم.
بالنسبة لنا، نحن طلاب السنة النهائية، كانت هذه العودة بارقة أمل وسط الدمار. لقد حررتنا، إلى حد ما، من المجهول وأنقذت ما تبقى من إنسانيتنا التي سرقها الجوع والخوف.
ومع ذلك، كان كل شيء مختلفًا. حتى الدردشة الجماعية في الفصل تغيرت. لم تعد معظم أسئلة الطلاب تدور حول المقررات الدراسية بل حول مكان العثور على اتصال ثابت بالإنترنت، أو تكلفة الخيام والإيجار واللوازم الأساسية.
حزنّا على جامعاتنا كحزننا على صديقٍ قديم
كنا ندرس عبر الإنترنت، مصممين على إبقاء تعليمنا على قيد الحياة، حتى في الوقت الذي كانت فيه غزة تتعرض للدمار. أصبحت المباني القليلة المتبقية بما في ذلك كلية الآداب، التي كنت أحضر فيها محاضراتي ذات يوم ملاجئ للنازحين.
ومع استمرار الحرب، أصبح القصف أكثر عشوائية وفتكًا، مستهدفًا آخر المباني والأبراج الصامدة في مدينة غزة. وفي 14 سبتمبر/أيلول، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مروعة. فقد تعرضت الجامعة لـ 11 غارة جوية عنيفة على ثلاث موجات.
وقال شاهد عيان "قصف الاحتلال مبنى كلية الآداب مرتين متتاليتين. وظن النازحون أن أمر الإخلاء قد انتهى وعادوا لاسترداد ممتلكاتهم. ثم قصف الاحتلال المبنى مرة ثالثة بينما كان الناس يدخلون مرة أخرى، ولم يتمكن أحد من الدخول لإنقاذهم."
وجاء في العنوان الرئيسي "مفقودون وجرحى بعد غارة جوية على الجامعة الإسلامية في غزة". مجرد تحديث عابر آخر على شريط الأخبار اليومية جزء من حصيلة لا تنتهي من الموت والدمار، دون أي تحرك حقيقي لإنهاء هذا الاستهتار بحياة الفلسطينيين.
حتى في ظل ما يُسمى بوقف إطلاق النار، فإن جامعتي العزيزة في حالة خراب. تقف مختبراتها المحطمة وكتبها المتفحمة وفصولها الدراسية الفارغة كشاهد صامت على ما فُقد وما قد لا يعاد بناؤه أبدًا.
منذ الضربة الأولى وحتى هذه الوقفة الهشة، حزننا على جامعتنا كما يحزن المرء على من يحب. حق أساسي سُلب منا على مرأى ومسمع من العالم. ذكرياتنا لن تعود أبدًا، فهي ملطخة بالدماء إلى الأبد.
واليوم، تقف الجامعة الإسلامية في غزة كنصب تذكاري للإبادة الجماعية الإسرائيلية حملة لا هوادة فيها لم تستهدف الأرواح فحسب، بل استهدفت أسس الثقافة والتعليم الفلسطينيين، ساعيةً إلى إطفاء مستقبلنا بعد فترة طويلة من سقوط آخر قنبلة.
أخبار ذات صلة

مقتل شخصين في إطلاق نار على جسر اللنبي على الحدود بين الأردن والضفة الغربية

تقرير: الولايات المتحدة وإسرائيل تطلبان من دول شرق إفريقيا إعادة توطين الفلسطينيين

مقتل أكثر من عشرة أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية على قافلة مساعدات في غزة
